قد اتَّفقتُ مع الروم بأن أيدينا معك واحدة، ونعطيك ما طلبت فلم يصدقوني وقالوا: نخاف على نفوسنا من السِّباء والقتل، فابعث إليهم من الطعام الذي عندك حتى يعلموا اتّفاقنا، وبعد ذلك يخرجوا من القسطنطينية بالأمان، فأذن لهم مسلمة في نقل الطعام وقد هيَّأ إليون السفن والرجال، فنقلوا ما كان في الحظائر، فلم يدعوا إلا التُّراب والتِّبن، وكانت خديعة من إليون، ثم أصبح إليون فناصبه الحرب، فأقام المسلمون في أسوأ حال من الضيق والجهد والجوع، حتى أكلوا الجلود وورَقَ الشَّجر والجِيف، وهجم الشتاء ونزل الثلج، وسليمان بدابق، فلم يقدر أن يُمدّهم، ومات سليمان فأرسل عمر بن عبد العزيز فأقفلهم، ولام الجند مَسلمة وقالوا: لو كنت امرأةً ما جرى عليك ما جرى من خديعة إليون.
وفي هذه السنة بايع سليمان لابنه أيوب بولاية العهد، وكان عبد الملك بن مروان قد أخذ العهد على الوليد وسليمان أن يُبايعا لأحد ابنَي عاتكة بنت يزيد بن معاوية وهما: مروان ويزيد، فمات مروان، وأمسك سليمان عن يزيد وتربّص عليه، وبايع لابنه أيوب رجاء أن يموتَ يزيد، فمات أيوب وبقي يزيد، فولي الخلافة بعد عمر، وبايع سليمان لابنه أيوب في سنة سبع وتسعين.
[وقد اختلفت الروايات في ذلك؛ فقال المدائني: سبب ولاية سليمان لابنه أيوب العهد أنه] كان جالسًا يومًا عند أبيه، فتنحَّى عنه فقال: ما لك يا بني؟ قال: خَدرت رجلي، فقال: اذكر أحبّ الناس إليك، فقال: صلى الله على محمد، فقال سليمان: إن ابني هذا سيد، وإني عنه لغافل، فولّاه العهد.
وفي هذه السنة غزا يزيد بن المهلَّب جُرْجَان وطَبَرِسْتان وتلك النواحي، فغنم غنائم كثيرة، وقتل وسبى.
قال هشام بن محمد: إن يزيد بن المهلَّب لما قدم خراسان أقام ثلاثة أشهر أو أربعة، وسار إلى دِهِسْتان وجُرجان، واستخلف ابنه محمدا على خراسان، وكان أهل دِهِستان طائفة من التُّرك، فنازل دهستان ومعه مئة ألف مقاتل من أهل البصرة والكوفة والشام وخراسان، سوى الموالي والمطوِّعة، فأقام مدة يحاصرها، ويخرجون إليه فيقاتلونه، وقطع عنها المواد، وضيق عليهم.