للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال الأصمعي: كنت حاضرًا عند الرشيد يومًا، فجيء بصناديق من ذخائر بني أمية، ففَتح صندوقًا منها، فوجد فيه ثياب الوَشْي وقد سال الدُّهن على صدورها وأكمامها، فسأل الناس عن ذلك فلم يجد عندهم علمًا، وكان عنده رجل من بني أمية فقال: يا أمير المؤمنين، هذه ثياب سليمان بن عبد الملك، كان شَرِهًا أكولًا (١).

وكان سليمان غيورًا، روى الشعبي قال: كان سليمان يوما جالسًا بمَرْج دابِق في المخيم، وجارية تصبُّ على يديه الماء، فمالت إلى جهة المعسكر تستمع إلى غناء مغنٍّ، فلم يزل يبحث حتى عرف المغني، فأحضره وخصاه وقال: إذا هدر الجمل ضَبعَت الناقة، وإذا هدر الحمام زافت الحمامة، وإذا غنى الرجل شَبَقَت المرأة، ثم سأل عن أصل الغناء فقيل: في المدينة، وهو في المخنَّثين أكثر، فكتب إلى والي المدينة -وهو أبو بكر بن محمد بن عمرو بن حزم- أن: احْصِ مَن قِبلَك من المُخَنثين والمغنِّين، فتَشَظَّى قلم الكاتب، فوقعت على الحاء المهملة نقطة فصيَّرتها خاءً مُعجمة، فلما قرأ أبو بكر كتابه قال لكاتبه: لعل الكاتب تَشَظَّى قلمُه فجعل الحاء خاءً، فقال الكاتب: إن على الخاء نقطة كأنها تمرة، أو كأنها سُهَيل، فأحضرهم وخصاهم، فلما بلغ سليمان قال: ما قَصَدْنا هذا (٢).

وحكى ابن عساكر: أن خالد بن عبد الله القسري أخاف عبد الله بن شَيبة بن عثمان بن أبي طلحة الحَجَبي -ويُسمَّى عبد الله الأصغر، ويعرف بالأعجم لعُجْمَة في لسانه- فوفد على سليمان مُستجيرًا به فأجاره، وكتب إلى خالد: لا سبيل لك عليه، فلما قدم بالكتاب على خالد لم يفتحه، وضربه مئة سَوط، ثم فتحه وقرأه وقال: لو علمتُ ما فيه ما ضربتُك، فرجع عبد الله إلى سليمان فأخبره، فأمر بقطع يد خالد، فكلَّمه فيه يزيد بن المهلَّب، وقبَّل يده فعفا عن قطع يده، وكتب سليمان إلى طلحة بن داود الحَضرَميّ قاضي مكة: إن كان خالد قرأ الكتاب ثم جَلَده فاقطع يده، وإن كان جلده قبل أن يقرأ الكتاب فاضربه مئةَ سَوط مثلَ ما ضرب عبد الله، وشَهِّرْه ثلاثَ ليال، فقرأ القاضي


(١) انظر "مروج الذهب" ٥/ ٤٠١.
(٢) "المنتظم" ١/ ١٧ - ١٨.