للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال ابن أبي الدنيا: نزل سليمان بمَرْج دابِق من أرض قِنَّسرين، فنظر في المرآة يومًا فأعجبتْه نفسُه فقال: أنا الملك الشَّابّ، أنا السلطان الوهَّاب -وكان جميلًا، وعليه حُلَّةٌ خضراء، وعلى رأسه وَصيفة- فلما قال: أنا الملك الشاب حرَّكت شفتيها، فقال لها: يا جارية، كيف ترينني؟ قالت: قُرَّة العين، ومُنى النَّفْس، قال: فما الذي حرَّكتِ به شفتيكِ؟

قالت: قلت: [من الخفيف]

أنت نعمَ المتاعُ لو كنتَ … تَبقى غيرَ أن لا بَقاءَ للإنسانِ

أنت خِلْوٌ من العيوبِ ومما … يَكرهُ الناسُ غير أنك فانِ

ثم خرج إلى الجمعة ليَخطبَ بالناس ويُصلّي، فشرع في الخطبة وصوته يُسمع من أقصى المسجد، فطعن، فلم يزل يَضعف صوتُه، وثَقُل حتى لم يسمعه القريب من المنبر، ثم حُمل إلى بيته فقال: عليَّ بتلك الوَصيفة -التي كانت قائمة على رأسه- فجاءت، فقال لها: أعيدي ما قلتِ، قالت: وما الذي قلت؟ قال: ألستِ القائلة:

أنت نعم المتاع لو كنت تبقى؟

قالت: والله ما طَرقَ سَمعي هذا قط، ولا رأيتُك منذ شهر، فسأل القَيمةَ على الجواري فقالت: صدقت، فارْتَاعَ، وعلم أن نفْسَه قد نُعيت إليه، فما عاش إلا أسبوعًا (١).

واختلفوا في وفاته؛ فقال هشام بن محمد: تُوفّي بدابِق يوم الجمعة لعشرِ ليالٍ بقينَ من صفر سنة تسع وتسعين، فكانت خلافتُه سنتين وثمانية أشهر إلا خمسة أيام.

[وقال ابن عساكر: إنه توفي في رمضان، وهو وهم منه.]

وقال ابن أبي الدنيا: توفي لعشر ليال مضين من صفر.

واختلفوا في عمره، فقال قوم: [ولد سنة ستين، فيكون عمره] تسعًا وثلاثين سنة، وقيل: ثلاث وخمسون سنة، والأول أشهر (٢).


(١) انظر "تاريخ الطبري" ٦/ ٥٤٧، و"مروج الذهب" ٥/ ٤٠٢ - ٤٠٤، و "العقد" ٤/ ٤٢٥، و"المنتظم" ٧/ ٤٩ - ٥٠.
(٢) انظر "المعارف" ٣٦١، والطبري ٦/ ٥٤٦، و"مروج الذهب" ٥/ ٣٩٦ - ٣٩٨، و"العقد"٤/ ٤٢٤ - ٤٢٥.