للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فوقر ذلك في صدر الوليد، وصدَّق زيدًا، وحمله منه على النصيحة، وتزوج نَفيسة بنت زيد بن الحسن.

وكتب الوليد إلى عامله بالمدينة بإشخاص أبي هاشم فأشخصه، فلما وصل إلى باب الوليد أمر بحبسه، فأقام مدة، فوفد علي بن الحسين زين العابدين على الوليد بسببه، فقال علي للوليد: ما بال آل أبي بكر وعمر وعثمان يتقربون بآبائهم فيُكْرَمون، وآل رسول الله يتقربون بآبائهم فيُهانون؟ علام حبستَ ابن عمي أبا هاشم؟! فذكر له الوليد ما قال زيد فقال: إن بينهما منازعة في صدقة علي، فحمله ذلك على أن رماه عندك بالبُهتان، فصدّقه الوليد وأطلق أبا هاشم (١).

ذكر وفاته:

قال الواقدي: قدم أبو هاشم على سليمان بن عبد الملك، فأكرمه، وقضى حوائجه، وأُعجب بفصاحته وقال: ما كلَّمني قُرشيٌّ قط بمثل هذا، وإني لأظنّه الذي أُخبرنا عنه أنَّه يكون منه كذا وكذا، ووصله وأحسن جائزته، فخرج من دمشق يريد فلسطين، فأرسل سليمان مولى له أديبًا فطنًا، فسبق أبا هاشم إلى بلاد لَخْمٍ وجُذام، فواطأ قومًا منهم، فضربوا أبنيةً على الطَّريق كهيئة الحوانيت، بين كل واحد والآخر أقلّ من ميل، وأعدُّوا عندهم لَبنًا مسمومًا.

فمرَّ بهم أبو هاشم راكب على بغلته، فجعلوا ينادون: الشَّراب الشَّراب، اللَّبَن اللَّبن، فتاقت نفسُ أبي هاشم إلى اللبن فقال: هاتوا من لبنكم فناولوه قَدَحًا فشربه، فلما استقرَّ في جوفه وتجاوزهم قليلًا أحسن بالموت، وعلم أنَّه قد اغتيل، فقال لمن معه: أنا ميت، انظروا الذين سقوني اللبن، فعادوا إليهم فلم يجدوا أحدًا، فقال أبو هاشم: ميلوا بي إلى ابن عمي محمد بن علي بالحُمَيمَة -والحميمة من أرض الشراة- فمالوا به إليهم، فأخبرهم أنَّه سُمَّ في لبن غِيلة، وقال: إن هذا الأمر سائر إلى ولدك، وأوقف محمدًا على كتب الشيعة، وأعطاه علامات، ومات عنده (٢).


(١) "تاريخ دمشق" ٦/ ٥٩٩ - ٦٠٠ (مخطوط).
(٢) "أنساب الأشراف" ٢/ ٥٥٥ - ٥٥٦، و"مختصر تاريخ دمشق" ١٣/ ٣٠١ - ٣٠٢.