وروى ابن أبي الدُّنيا عن رجل من آل محمد بن سيرين قال: رأيتُ مسلم بن يسار رفع رأسه من السُّجود في المسجد الجامع، فنظرت إلى موضع سجوده كأنه قد صُبَّ فيه الماء من كثرة دموعه.
وكان إذا دخل في الصلاة يقول لأهله: تحدَّثوا فلستُ أسمع حديثكم.
وكان يقول في سجوده: متى ألقاك وأنت عني راض.
وقال ابن المبارك: قال مسلم بن يسار لأصحابه يوم التَّروية: هل لكم في الحج؟ قالوا: خرف الشَّيخ، وعلى ذلك لنُطيعَنَّه، قال: مَن أراد ذلك فليخرج، فخرجوا من البصرة إلى الجَبَّان برواحلهم، فقال: خَلُّوا أزِمَّتَها، فأصبحوا وهم ينظرون إلى جبال تهامة.
وقال سليمان بن المغيرة: جاء مسلم بن يسار إلى دجلة وهي تَقذف بالزَّبَد، فمشى على الماء، ثم التفت إلى أصحابه وقال: هل تفقدون شيئًا؟
وقال ابن سعد: كان مسلم ثقةً فاضلًا عابدًا ورعًا، أرفع عندهم من الحسن، حتَّى خرج في فتنة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، فوضعه ذلك عند النَّاس وارتفع الحسن.
وقال أبو قِلابَة: قال لي مُسلم بن يسار وقد صَحبتُه إلى مكّة وذكر فتنة ابن الأشعث: أحمد الله إليك أني لم أَرْمِ فيها بسَهم، ولم أطعن فيها برمح، ولم أضربِ فيها بسيف، فقلت له: يا أبا عبد الله، فكيف بمَن رآك واقفًا في الصف فقال: هذا مسلم بن يسار، والله ما وقف هذا الموقف إلَّا وهو على الحقّ، فتقدَّم مُقاتل حتَّى قتل؟ فبكى وبكى حتَّى تمنَّيت أن لم أكن قلتُ له شيئًا.
وتوفي مسلم في خلافة عمر بن عبد العزيز سنة مئة أو إحدى ومئة (١).