للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال بعضهم: من دم طائر أصابه السهم (١).

قلت: وقول الثعلبي: إنَّ السمكة فدت نفسها لله تعالى، كلام ساقط وأين سبع سماوات والعرش والكرسي وسبعون ألف حجاب حتى يصل إليها سهم نمرود، هانما يقال في هذا: إمَّا أن يكون استدراجًا لنمرود، أو اتفق أنَّ السهم أصاب طائرًا.

وقال الثعلبي أيضًا: ولما هبطت النسور بالتابوت سمعت الجبال حفيفَ النسور ففزعت، وظنَّت أنه قد حدث بها حدث من السماء، أو أنَّ السَّاعة قد قامت فذاك قوله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ﴾ (٢).

وقال الربيع بن أنس: لما رأى أنه لا يطيق شيئًا أخذ في بناء الصرح، قال الجوهري: الصرح كلُّ بناء عال (٣). ويقال للقصر: الصرح.

وقال مقاتل: بناه في ارتفاع ثلاثة أميال. فبينما الناس ذات يوم في ما هم إذ سقط الصرح، ففزعوا وتبلبلت ألسنتهم، وكان الصرح من الطين والآجر.

قلت: والعجب من سفه نمرود فإنه صعد إلى السماء حتى غابت عنه الأرض، ووقع في الظلمة ولم يظفر بطائل، فما قدر ارتفاع الصرح وهو مقدار فرسخ صف يظفر بمطلوبه؟

وقوله: تبلبلت الألسن، وهمٌ، لأنها إنما تبلبلت في زمان أولاد نوح كما ذكرنا.

وذكر جدّي في "التبصرة" وقال: وأمَّا نمرود فإنه بقي بعد إلقاء الخليل في النار أربع مئة عام لا يزداد إلَّا عتوًّا، ثم حلف ليطلبنَّ إله إبراهيم وذكر حديث النسور والصَّرح. قال: وقال زيد بن أسلم: بعث الله إلى نمرود ملكًا فقال له: آمنْ بي وأترك عليك ملكك، فقال: وهل ربٌّ غيري؟ فأتاه ثانيًا وَثالثًا، فعْتح عليه بابًا من البعوض، فأكلَت لحوم قومه وشربت دماءهم، وبعث الله بعوضة فدخلت في دماغه فمكث أربع مئة عام يضرب رأسه بالمطارق، وأرحم الناس به من جمع يديه فضرب بهما رأسه، فعذّب


(١) "عرائس المجالس" ص ٩٨ - ٩٩.
(٢) "عرائس المجالس" ص ٩٩.
(٣) "الصحاح": (صرح).