للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تمامُ الحجِّ أن تقفَ المطايا … على خَرْقاءَ واضعةِ اللِّثامِ

وتكشفُ عن لثامها (١).

قال القحذمي: دخلَ ذو الرُّمَّة الكوفة، فبينا هو يسير في شوارعها إذ رأى جارية سوداءَ واقفةً على باب دار، فاستحسنَها ووقعت بقلبه، فاستسقى ماءً، فأخرجَتْ له كوزًا فشرب، وأراد أن يمازحها، فقال لها: يَا جارية، ما أحرَّ ماءَكِ! فقالت: لو شئتَ لأقبلتَ على عيوب شِعركِ، وتركتَ حَرَّ مائي وبَرْدَه. فقال: وأيُّ شِعْري فيه عيب؟! قالت: ألستَ ذا الرُّمَّة؟! قال: بلى. فقالت:

وأنت الذي شَبَّهْتَ عنزًا بقفرةٍ … لها ذَنَبٌ فوقَ اسْتِها أمَّ سالمِ

جعلتَ لها قَرْنَينِ فوقَ جبينِها … وطِبْيَينِ (٢) مُسْوَدَّينِ مثلَ المحاجمِ (٣)

وساقَينِ إن يستمسكا منكَ يتركا … لساقيكَ يَا غيلانُ مثلَ المياسمِ (٤)

أيا ظَبْيَةَ الوَعْساءِ بينَ جُلاجلٍ … وبينَ النَّقَا (٥) آأنتِ أمْ أمُّ سالمِ

قال: فنزل ذو الرُّمَّة عن راحلته وقال: أنشدك الله إلَّا ما أخَذْتِيها وما عليها، ولا تذكرين هذا لأحد. فقالت: خُذْ راحلتَك وانصرف راشدًا، فلا ذكرتُه لأحد (٦).

قال المنتجع بن نبهان: كنت عند ذي الرُّمَّة وقد احتُضر، فلما أحسَّ بالموت بكى وقال: ما ظنُّك بي؟ قلت: أَنْتَ أعلم بما جرى بينك وبين مَيَّة. فقال: لا نالتني شفاعةُ محمَّد إن كنتُ هَمَمْتُ بها بريبة قطّ، ولقد كنتُ هائمًا بها عشرين سنة.


(١) ينظر "الأغاني" ١٨/ ٣٨ و ٤٠، و"تاريخ دمشق" ١٤/ ١٧٢، و"المنتظم" ٧/ ٧٣.
(٢) الطِّبْيُ: حلمة الضَّرْع التي فيها اللبن. وفي "تاريخ" ابن عساكر: ووَطْبَين، والوَطْبُ: الثدي العظيم.
(٣) جمع مِحْجم، وهي القارورة التي يجمع فيها دم الحِجامة.
(٤) في "المنتظم" ٧/ ٧٣: وساقين إن يستمكنا منك يتركا … بجلدك يَا غيلان مثل المناسم، وروايته مختلفة في "الأغاني"١٨/ ٢٣ (والخبر فيه بنحوه).
(٥) الوَعْساء: أرض بحضرموت، وجُلاجل -بضم الجيم، وتقال بالمهملة- أرض باليمامة، والنَّقَا: الكثيب من الرمل. وقال ابن الجواليقي: اسم موضع. وينظر "معجم البلدان" ٢/ ٤٩ أو ٢٨٠ و ٥/ ٣٧٩، و"معجم ما استعجم" ٢/ ٣٨٨، و"الروض المعطار" ص ٦١١. وينظر هذا البيت في "ديوان" ذي الرُّمَّة ٢/ ٧٦٧.
(٦) تاريخ دمشق ١٤/ ٧٧ - ١٧٨ (مصورة دار البشير)، و"المنتظم" ٧/ ٧٦ - ٧٧.