للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال طاوس: فقلت في نفسي: الرجل حكيم، فقمتُ خلفه، فجاء إلى البيت، فتعلَّق بأستار الكعبة، ثم دعا بدَعَوات فقال: اللهمَّ بك أعوذُ وبك ألُوذُ، اللهمَّ اجعلْ لي في اللَّهَف إلى جُودك والرضى بضمانك (١) مندوحة عن بخل الباخلين، وغنىَ عمَّا في أيدي المستأثرين، اللهمَّ فرجَك القريب ومعروفَك القديم.

ثم ذهب، فرأيتُه عشيَّة عرفةَ وهو واقفٌ يقول: اللهم إن كنتَ لم تقبل حجِّي وتعبي ونَصَبي، فلا تحرمني الأجر على مصيبتي. ثم جعل يقول: واسوأتاه منك وإن عفوتَ.

ثم غاب عني فلم أره بعد ذلك، فوقع لي أنَّه من الأبدال (٢).

[قال الواقدي:] وكان لطاوس ابنٌ يقال له: عبد الله، من العلماء الزُّهَّاد، وذكره ابن سعد في الطبقة الثالثة من التابعين من أهل اليمن. [قال:] وكنيته أبو محمد [مات في خلافة أبي العبَّاس السفَّاح، وكذا قال ابن سعد. ورُوي عنه أنَّه عاش إلى أيام المنصور] (٣).

قال مالك بن أنس: لمَّا وَليَ أبو جعفر المنصور الخلافة بعث إليَّ وإلى ابنِ طاوس، فدخلنا عليه وبين يديه أنطاعٌ قد فُرشت، وجَلَاوزة بأيديهم السيوف يضربون الأعناق، فجلسنا وهو مطرقٌ، فرفع رأسه وقال: يا ابنَ طاوس، حدَّثني. فقال: حدَّثني أبي عن جدِّك ابن عباس، عن رسول الله أنَّه قال: "أشدُّ الناس عذابًا يومَ القيامة رجل أشركه الله في حكمه، فأدخل الجَوْرَ في عدله". قال مالك: فضممتُ ثيابي خوفًا أن ينتضح عليها من دمه. فأطرقَ أبو جعفر ورفع رأسه ثم قال: إيه يا ابن طاوس، عِظْني. فقال: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (٦) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (٧) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ﴾ إلى قوله: ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ﴾ [الفجر: ٦ - ١٤] فقال له أبو جعفر: يا ابن طاوس، ناولني الدَّواة. فقال: لا والله. قال: ولم؟! قال: خوفًا أن تكتب بها مظلمة أو إراقة دم مسلم،


(١) في (خ): بقضائك، والمثبت من (ص)، وهو الموافق لما في "الأولياء" لابن أبي الدنيا (٨٨).
(٢) المصدر السابق، وهو أيضًا في "تاريخ دمشق" ٦٥/ ٣٣٢ - ٢٣٣ (ترجمة محمد بن يوسف الثقفي)، وصفة الصفوة ٢/ ٢٩٨، والمنتظم ٧/ ١١٦.
(٣) ينظر "طبقات" ابن سعد ٨/ ١٠٥. والكلام السالف بين حاصرتين من (ص).