للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شَتمْتُما قائلًا بالحقِّ مقتديًا (١) … عند الخليفةِ والأقوالُ تنتَضِلُ

شَتَمْتُماه على رَفْعي ووَضْعِكما … لا زلتُما في انحطاط أيُّها السَّفِلُ

ثم قام جرير، فقبل رأس الأعرابيّ وقال: يا أمير المؤمنين، جائزتي له. وكانت خمسةَ عشرَ ألفًا في كل سنة، فقال عبد الملك: وله مثلُها من مالي. فأعطاه إياها (٢).

[وقال هشام ابن الكلبيّ:] كان عبد الملك يفضّل الأخطل على جرير، فحضرا يومًا عنده، فأنشد الأخطل:

وإني لَقوَّامٌ مقاماتٍ (٣) لم يكن … جريرٌ ولا مولى جريرٍ يقومُها

فقال جرير: أجل والله، إنك تقومُ (٤) إلى الخمر فتشربه، وإلى الخنزير فتذبحه وتأكله، وإلى الصليب فتسجد له وتقبِّلُه، وجريرٌ ما يفعل شيئًا من ذلك (٥).

ومن أحسن ما قال جرير:

إنَّ الذين غَدَوْا بقلبك (٦) غادروا … وَشَلًا بعينك ما يزالُ مَعِينا (٧)

غَيَّضْنَ مِنْ عَبَراتهنَّ وقُلْن لي … ماذا لَقِيتَ من الهوى ولَقِينا

وسمع ابنُ السائب المخزومي (٨) هذين البيتين -وكان من ظراف الناس، وكان صائمًا- وقد قام إلى صلاة المغرب، فلمَّا صلَّى المغرب وقُدِّمت إليه المائدة قال:


(١) كذا في (ب) و (خ) وأصل "مختصر تاريخ دمشق" ٦/ ٤٢ (كما ذكر محققوه في حاشيته). وفي "البداية والنهاية"، ١٣/ ٤٣، وملحق "ديوان" جرير ٢/ ١٠٣٤: مهتديًا.
(٢) الخبر في "تاريخ دمشق" من رواية الكلبي، كما في "مختصره" ٦/ ٤١ - ٤٣، وكذا أورده ابن كثير في "البداية والنهاية" ١٣/ ٤٢ - ٤٣ من رواية هشام بن محمد الكلبي عن أبيه. وهو في "الأغاني" ٨/ ٤٠ - ٤٢ بنحوه أطول منه، من رواية المدائني. ومن قوله: وفد جرير على عبد الملك فاستأذنه في الإنشاد … إلى هذا الموضع، ليس في (ص).
(٣) في (ص): مقامًا. وفي "مختصر تاريخ دمشق" ٦/ ٤٤: مقاوم.
(٤) في (ص): لتقوم.
(٥) الخبر في "تاريخ دمشق" كما "مختصره" المذكور في التعليق قبله. ولم يرد الكلام بعده في (ص) حتى نهاية الترجمة.
(٦) كذا في (ب) و (خ)، و"المنتظم" ٧/ ٣٣٠. وفي "تاريخ بغداد" ١١/ ٢١٤، و "الديوان" ١/ ٣٨٦: بلُبِّك.
(٧) قال ابن حبيب في شرح "الديوان": الوَشَل: الماء السائل شيئًا بعد شيء. والمَعِين: الظاهر.
(٨) هو عبد الله بن السائب، أبو السائب المخزومي المديني، ذكره الخطيب في "تاريخ بغداد" ١١/ ١٣١ وقال: "قدم الأنبار على أبي العبّاس السفّاح"، وأورد له هذا الخبر في ترجمة عبد الله بن عبد الرحمن المدائني =