للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنَّا الذي منَعَ الوائدات … وأحيا الوئيدَ فلم يُوأَدِ

وقال ابن الكلبي: قدم صعصعة على رسول الله [فأسلم] وعلَّمه آياتٍ من القرآن، وقال: يا رسول الله، قد أحييتُ ألف موؤدة، اشتريتُ كلَّ واحدة بناقتين عُشَرَاوين (١) وحملتُ على ألف فرس، فهل لي من أجر؟ فقال: "ما أحييتَ فمن باب البرِّ، لك أجرُه، وقد منَّ الله عليك بالإسلام" (٢).

[ذكر طرف من أخبار الفرزدق:

روى هشام بن الكلبي عن أبيه قال:، دخل غالب [بن صعصعة] على عليّ ومعه ابنُه الفرزدق صغيرًا، فقال علي : مَنْ أنت؟ قال: غالب بن صعصعة المجاشعي، فقال: ذو الإبل الكثيرة؟ قال: نعم. قال: فما فعلت إبلك؟ قال: نكَبَتْها النوائب، ودَهمَتْها الحقوق. فقال: ذلك خيرُ سُبُلها. ثم قالماله: من هذا الفتى معك؟ قال: ابني، وإنه يقول الشعر. قال: علّمه القرآن، فهو خيرٌ له من الشِّعر. قال الفرزدق: فما زال ذلك في نفسي حتى قَيَّدتُها بقيد، وقلت: واللهِ لا أنْزِعُه من رِجْلي حتى أحفظَ القرآن. فما نزعتُه حتى حفظتُه (٣).

[قال ابن الكلبي:] ومات غالب بِسِيفِ كاظمة (٤)، فدُفن على رابية، فجعل الفرزدق ذلك المكان حِمًى لا يستجيرُ به أحدٌ إلا أجاره، ولا يلوذُ به عانٍ إلا فكَّه، ولا يأتيه غارم إلا أدَّى عنه.

فلما عزم على هجو بني جعفر بن كتاب لشيءٍ جرى بينهم؛ جاءت امرأةٌ من بني جعفر إلى قبر غالب، فضربت عليه فسطاطًا، واستجارت به، وكان ابنُها نافع قد هجا


(١) مثنّى عشَراء، وهي من النوق ما مضى على حملها عشرة أشهر.
(٢) الخبر في "الأغاني" ٢١/ ٢٨٣ مطول، وأخرجه مطولًا أيضًا الطبراني في "الكبير" ٨ / (٧٤١٢) وفي إسناده الطفيل بن عمرو؛ قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" ٢/ ٣٠٨: لا يُعرف، ونقل فيه عن البخاري قوله: لا يصحُّ حديثه.
(٣) معجم الشعراء ص ٤٦٦، والمنتظم ٧/ ١٤٩، ومختصر تاريخ دمشق ٢٧/ ١١٩ (ووقعت ترجمة الفرزدق ضمن خرم في "تاريخ دمشق"). والكلام السابق واللاحق الواقع بين حاصرتين من (ص).
(٤) السِّيف (بكسر السين): ساحل البحر، وكاظمة: جوٌّ على سِيف البحر في طريق البحرين من البصرة، بينها وبين البصرة مرحلتان (المرحلة: المسافة التي يقطعها السائر في نحو يوم) ينظر "معجم البلدان" ٤/ ٤٣١.