للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأصبحتُ الغداةَ ألومُ نفسي … بأمرٍ ليس في فيه خيارُ

وكنتُ كفاقئٍ عينَيهِ عمدًا … فأصبحَ ما يضيءُ له النهارُ (١)

ثم راجعها، وماتت عنده، وأوصَتْ أن يصليَ عليها الحسن، فصلَّى والفرزدق حاضرٌ، فلما سُوَّيَ عليها قام فقال:

أخافُ وراءَ القبر إن لم يُعافِني … أشدَّ من القبر التهابًا وأضْيَقا

إذا جاءني يومَ القيامة قائدٌ … عنيد وسوَّاقٌ يسوقُ (٢) الفرزدقَا

لقد خابَ من أولاد آدمَ مَنْ مَشَى … إلى النار مغلولَ القِلادةِ أزْرَقَا

يُساقُ إلى نار الجحيم مُسَربَلًا … سَرابِيلَ قَطْرانٍ لباسًا مُحَرَّقا

إذا شربوا فيها الصديدَ رأيتَهم … يذوبون من حرِّ الحميم تمزُّقا

فبكى الحسن وقال: يا همَّام، ماذا أعدَدتَ لهذا اليوم؟ فقال: شهادةُ أن لا إله إلا الله [وأن محمدًا رسول الله] منذ ثمانين [أو سبعين] سنة، قال الحسن: قد كنتَ من أبغض الناس إليّ، وإنك اليوم لأحبُّ الناس إليّ (٣).

[وفي رواية: فبكى الحسن وقال: يا همَّام، ما أعددتَ لهذا اليوم؟ فكم من مُحصَنةٍ قد قَذَفْتَها! فقال: هل لي من توبة؟ قال: نعم. فقال: أستغفر الله. فقال الحسن: نحن وإياك على الأثْر، فقال الفرزدق:

ولسنا بأبقى بعدهم (٤) غير أنَّنا … أقمنا قليلًا بعدهم وترحَّلُوا] (٥)

فلما مات الفرزدق رؤي في المنام، فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: نفعتني الكلمة التي راجعتُ الحسنَ فيها عند القبر (٦).

[وقد ذكرنا اجتماع الحسن والفرزدق عند جنازة أبي رجاء العُطاردي وقول الفرزدق: يا أبا سعيد، يزعم الناس أنه قد اجتمع في هذه الجنازة خير الناس وهو


(١) ينظر: "العقد الفريد" ٦/ ١٢٥، و"الأغاني" ٢١/ ٢٩٠.
(٢) في "الأغاني" ٢١/ ٣٩٢، و"المجالسة وجواهر العلم" (٦٨٩١) عنيف وسواق يقود.
(٣) الخبر في "تاريخ دمشق" كما في "مختصره" ٢٧/ ١٣١ - ١٣٢. وينظر المصدران السالفان.
(٤) في "مختصر تاريخ دمشق" ٢٧/ ١٣٢: بأنجى منهم.
(٥) المصدر السابق. والكلام بين حاصرتين من (ص).
(٦) مختصر تاريخ دمشق ٢٧/ ١٣٨.