للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم قطع النهر فنزل كِسّ (١) وبعث العيون، فعادوا وقالوا: تأهَّبْ فقد أتَوْك. فقال: أيُّ الطريق أقربُ إلى سَمَرْقَنْد؟ قالوا: طريق المحترقة. فقال المجشّر بن مُزاحم السُّلَميّ: القتلُ بالسيف أهونُ من القتل بالنار، إن طريق المحترقة فيها الحشيش والشجر، ولم تُزرع منذ زمان، فإن لقينا خاقان، فأطلقَ علينا النارَ؛ هلكنا كلُّنا.

ثم قال المجشِّر: إنه كان يقال: إن رجلًا من قيس عَيلان مُترفًا يهلك على يديه جندٌ من جنود خُراسان، وما إخالُك إلا إيَّاه. فقال الجُنيد: أفْرِخْ رُوعَك (٢). فقال [المجشّر]: أمَّا ما كان (٣) بينَنَا مثلك فلا يُفْرَخ.

وتلقَّاهم فارسٌ فقالوا: ما اسمُك؟ قال: حَرْب. قالوا: ابنُ مَنْ؟ قال: ابنُ محربة. قالوا: ممَّن؟ قال: من بني حنظلة. قالوا: سلَّط الله عليكم الحَرْب والحَرَب (٤) والمرّ.

ثم دخل الشِّعب وبينهم (٥) وبين سمرقند أربعةُ فراسخ، وصبَّحهم خاقان في جمع عظيم ومعه أهل السُّغْد وفرغانة والشاش، وصفَّ الجُنيد أصحابَه وفيهم نَصْر بن سيَّار، واقتتلوا قتالًا لم يرَ الناس مثله، وانكشفت الميمنة والميسرة والجُنيد في القلب، وعادت الميمنة إلى مكانها بعد قتال شديد.

وجاء الجُنيد إلى الميمنة، فوقف تحت راية الأَزْد وكان قد جفاهم، فقال له صاحب رايتهم: ما جئتَنا لتُكرمنا، ولكن لعلمك أنَّه لا يُوصل إليك ورجل منَّا حيٌّ، فإن ظفرنا كان الفتح لكم، وإن هلكنا لم تبكِ علينا. ثم حمل بالراية، فقُتل، وتناولَها منهم ثمانيةَ عشرَ (٦) فقُتلوا، وقُتل من أعيان الأزد ثمانون رجلًا، منهم يزيد بن المفضّل الحُدَّاني،


(١) في (ب) و (خ): كيش. وهو تحريف، والمثبت من المصدر السابق. وكِسَّ: مدينة تقارب سمرقند، وقال البلاذري فيما نقله عنه ياقوت: هي الصُّغد. ينظر "معجم البلدان" ٤/ ٤٦٠.
(٢) أي: أذهبِ الهمَّ من قلبك. والرُّوع: القلب، أو موضع الفزع منه. وهذا من المجاز. يقال: أفرَخَتِ البيضةُ: إذا خرجَ الفَرْخُ منها. ينظر "أساس البلاغة" ص ٤٦٨، و"القاموس" (روع). وينظر أيضًا "جمهرة الأمثال" ١/ ٨٥.
(٣) في "تاريخ" الطبري ٧/ ٧٢: إذا كان.
(٤) الحَرَب: الويل والهلاك.
(٥) في المصدر السابق: وبينه.
(٦) في "تاريخ" الطبري ٧/ ٧٤: فتداول الراية ثمانية عشر …