للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والقول الثَّاني: أنَّه كان عبدًا صالحًا ولم يكن نبيًّا ولا ملكًا، حكاه جدي في "التبصرة" عن عليٍّ (١).

وحدَّثنا عبد الرحمن بن أبي حامد الحربي بإسناده عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لا أدري أكان ذو القرنين نبيًّا أم لا" (٢).

قلت: وقد روي عن علي وابن عباس أنَّه كان ملكًا صالحًا فاضلًا على دين إبراهيم ، يأمر النَّاس بالتوحيد والتقوى.

وحكى جدي في "التبصرة" عن وهب أنَّه كان ملكًا (٣). وحكى أيضًا عن علي أنَّه قال: أطاع الله فسخَّر له السحابَ فحُمل عليه، ومدَّ له في الأسباب، وبسط له النور، فكان الليل والنهار عليه سواء (٤). وحكى هذه الأقوال أبو القاسم ابن عساكر (٥).

وقال أبو الحسين ابن المنادي: كان ذو القرنين أحدَ عظماء الملوك، إلَّا أنَّ الله تعالى أعطاه التوحيد والطَّاعة واصطناع الخير والمعونةَ على الأعداء، ففتح الحصون والمدائن وغلب الرجال، وعمَّر عُمُرًا طويلًا، فبلغ مشارق الأرض ومغاربها، وبنى السدَّ، وحصر يأجوج ومأجوج وراءه، وكان رحمة للمؤمنين ونقمة على الكافرين (٦).

وروى الوالبي عن ابن عباس قال: كان أوَّل أمر ذي القرنين أنَّه كان غلامًا من الروم أعطي مُلكًا، فسار حتَّى أتى مصر فابتنى بها مدينة يقال لها: الإسكندرية، فلمَّا فرغ من بنائها أتاه مَلَكٌ فعرج به، فقال: انظر ما تحتك؟ فقال: أرى مدينتي وأرى معها مدائن، ثم عرج به فقال: انظر، فنظر وقال: أرى مدينتي وحدها ولا مدائن معها، فقال له


(١) "التبصرة" ١/ ١٦٦.
(٢) أخرجه الحاكم في "المستدرك" (٢١٧٤)، وابن عساكر في تاريخ دمشق ١٧/ ٣٣٧، قال ابن كثير في البداية ٢/ ٥٣٧: وهذا غريب من هذا الوجه.
(٣) "التبصرة" ١/ ١٦٦.
(٤) "التبصرة" ١/ ١٦٦.
(٥) "تاريخ دمشق" ١٧/ ٣٣٣.
(٦) انظر "المنتظم" ١/ ٢٨٨.