للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وجاء رجل إلى داود والأصبغ، فقال: قُتل أسدٌ ومن معه (١)، فقال داود: قبَّح الله الحياةَ بعد إخواننا. وقال الأصبغ: إنْ يهلك أسد؛ فإن الله ناصرٌ دينَه، وإن خالدًا وأميرَ المؤمنين فينا نرجع إليهما. فقال داود: ألا ننظرُ ما فعل أسد؟

فخرجا حتى شارفا عسكر إبراهيم، ورَأَيَا النيران، وقال داود: هذه واللهِ نيرانُ المسلمين. فقال الأصبغ: من أين لك هذا؟ قال: لأنها مجتمعة، ونيرانُ التُّرك متفرِّقة. فقال الأصبغ: هم في مَضِيق. ثم دَنَوَا، فسمعا نُهاقَ الحمير، فعلما أنهم أَخوانُهم؛ لأن التُّرك لا يُعانون الحمير (٢)، فكبَّرُوا (٣)، فأجابهما أهلُ العسكر بالتكبير، فنزلا عند إبراهيم.

وأقبل أسدٌ من الخُتَّل يريد أن يخوض نهر بَلْخ وقد قطع إبراهيم بالأثقال والسَّبْي. وبلغ أسدًا أن خاقان (٤) قد قطع المفاوز في أيَّام يسيرة، فقال له أبو تمَّام بن زَحْر وعبد الرحمن بن خنفر الأزديَّان: أيُّها الأمير، إنَّ اللهَ قد أحسنَ بلاءَك في هذه الغزوة وغنمتَ وسلمتَ، فاقطع بنا هذه النُّطفة، فاجعلْها وراء ظهرك. يعنيان نهر بَلْخ. فأَمَرَ بهما فوُجِئَتْ عنقُهما (٥)، وأقام يومَه.

فلما كان من الغد ارتحل، وفي النهر ثلاث وعشرون مخاضة، فأمرَ أن لا يعبر أحدٌ إلا ومعه شاة، وحمل هو بنفسه شاةً، فقال له عثمان بن عبد الله بن مطرِّف بن الشِّخِّير: قد فرَّقتَ الناسَ وشَغَلْتَهُم بحمل الشَّاء، وقد أظلَّك العدوّ، فدَعْ هذا الشَّاء إلى لعنة الله، ومُرِ الناس بالاستعداد للقاء عدوِّهم. فقال: واللهِ ما يعبُر أحدٌ وليس معه شاةٌ حتى يفنى هذا (٦) الغنم إلا قطعتُ يدَه. فحملَ الناسُ الشَّاء؛ الفارسُ على قَرَبُوس سَرْجه (٧)، والراجل على عُنقه.


(١) عبارة الطبري ٧/ ١١٤: فأشاع أن خاقان قد كسر السلمين وقتل أسدًا.
(٢) أي: ليس لهم حمير، كما هي عبارة الطبري، وبسياق آخر.
(٣) كذا. والسياق: فكبَّرا.
(٤) قوله: وقد قطع إبراهيم … الخ، سقط من (ب).
(٥) في "تاريخ" الطبري ٧/ ١١٥: رقابُهما. وبعدها: وأُخرجا من العسكر.
(٦) في (د): هذه.
(٧) القَرَبُوس: حِنْو السَّرْج، وهما قَرَبُوسان.