للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لك مستعملك: ما منعتُك الدنيا بُخلًا (١)، ولكن ليستكمل نصيبُك من كرامتي، فطِبْ نفسًا، وقَرَّ عينًا، فعندي كلُّ ما تؤمِّلُ.

فبكى بكاءً شديدًا، فقالت: مالك؟! فقال: ويحك! إنما هو إلهى. فبكت المرأة وقالت: واللهِ لا عُدْتُ لمثلها (٢).

[وحكى أحمد بن أبي الحواري قال: مرَّ حبيب بمصلوب، فوقف عليه وقال: بأبي ذلك اللسان الذي كنت تقول به: لا إله إلَّا الله. اللهم هَبْ لي ذنبَه. قال: وكان قد صلب ووجهه إلى الشرق، فأصبحت خشبتُه قد استدارت إلى القبلة] (٣).

[ذكر وفاته]:

وتوفي بالبصرة في هذه السنة.

[وروى ابن أبي الدنيا عن أبي زكريا قال:] وقالت امرأته: كان يقول: إن مِتُّ اليوم، فأرسلي إلى فلان يغسّلني، وافعلي كذا وكذا. يقول ذلك كلَّ يوم (٤).

وقال عبد الواحد بنُ زيد: جزع حبيب عند الموت جَزَعًا شديدًا، فكان يقول بالفارسية: أريدُ أن أسافر سفرًا ما سافرتُه قطّ، وأسلكَ طريقًا ما سلكتُه قطّ، وأزورَ سيِّدي ومولاي ما (٥) رأيتُه قطّ، وأدخلَ تحت التراب، فأبقى فيه إلى يوم القيامة، ثم يُوقِفُني بين يديه، فأخاف أن يقول: يا حبيب، هل جئتَني بتسبيحة واحدة في ستين سنة لم يظفر بك الشيطان فيها بشيء؟ فماذا أقول وليس لي حيلة؟ أقول: ها يا ربّ قد أتيتُك مقبوضَ اليدين إلى عنقي.

قال عبد الواحد بن زيد: فهذا عَبَدَ اللهَ ستين سنةً لم يشتغل بغير العبادة، ولم يتلبَّس من الدنيا بشيء قطّ، فكيف يكون حالُنا نحن؟ واغوثاه بالله (٦)!.


(١) كلمة "بخلًا" ليست في (ص).
(٢) لم أقف على هذا الخبر.
(٣) الكلام بين حاصرتين من (ص)، وهو في "تاريخ دمشق" ٤/ ١٧٧ (مصورة دار البشير).
(٤) تاريخ دمشق ٤/ ١٧٨ (مصورة دار البشير).
(٥) في (ب) و (خ) و (د): وما. والمثبت من (ص). وهو موافق لما في "تاريخ دمشق" ٤/ ١٧٧ - ١٧٨.
(٦) تاريخ دمشق ٤/ ١٧٧ - ١٧٨، وصفة الصفوة ٣/ ٣٢٠ - ٣٢١.