للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومنها: أن خالدًا كان يقول لابنه يزيد: ما أنتَ بدون مَسْلَمة بن هشام، وكيف بك إذا احتاج إليك أولاد هشام (١)؟

ومنها: أنَّ رجلًا من قريش -يقال له: أبو عَمرو (٢) - دخل على خالد فاستخفَّ به، وعضَّه بلسانه (٣)، فكتب القرشيُّ إلى هشام يشكوه ويقول: إنه فعل بي وفعل، وأنا قرشيّ وهو من بَجِيلَة.

فكتب هشام إلى خالد:

أمَّا بعد؛ فإنَّ أمير المؤمنين؛ وإنْ كان أطلقَ يدَك فيمن استرعاك رجاء كفايتك ونهضتك؛ غير أنه لم يفترشك أعزَّة (٤) أهل بيته لتطأهم بقدمك، فبسطتَ لسانَك عليه بالتوبيخ، تُريد بذلك تصغير خَطَره، واحتقار قدره، حتى أخرجَك ذلك إلى إغلاظ اللفظ عليه في مجلس العامَّة، وباللهِ يُقسِمُ أميرُ المؤمنين لولا ما تقدَّم من خدمتك (٥)، وما يكره من شماتة عدوِّك بك؛ لوضعَ فيك ما رفع، ويجعلُك تابعًا لمن كان لك تبَعًا، فانهضْ عند قراءتك كتابَ أمير المؤمنين إلى باب القرشيّ (٦) ماشيًا مستأذنًا عليه، متنصِّلًا إليه، أذِنَ لك أو منعَك، فإن حرَّكَتْه عواطفُ رحمةٍ؛ رحمك، وإن احتَمَلَتْهُ حميَّةٌ وأَنَفَة (٧) من دخولك عليه؛ فقِفْ ببابه حَوْلًا كاملًا غير مُزايل له حتى يرضى، ثم أمْرُك بعدُ إليه في عزلٍ وولاية، فعليك لعنةُ الله من مُتَّكلٍ عليه بالثقة، فما أكثرَ هفواتِك! وأقذعَ لأهل الشرف ألفاظَك التي لا تزالُ تبلغُ أميرَ المؤمنين من إقدامك بها على من هو أَوْلى بما أنت فيه!


(١) تاريخ الطبري ٧/ ١٤٣ و ١٤٦.
(٢) في "الكامل" ٥/ ٢٢٠: رجل من آل عمرو بن سعيد بن العاص. وجاء في أول الخبر في "تاريخ" الطبري ٧/ ١٤٣ أنه رجل من قريش، وجاء فيه ص ١٤٤: ابن عمرو.
(٣) أي: ذكرَه بسوء. وتحرفت لفظة "وعضّه" في النسخ الخطية إلى: وعظمه. والمثبت من "تاريخ" الطبري ٧/ ١٤٣.
(٤) في (خ): لم يعمد يفترشك. والمثبت من (ب) (د) .. وفي "تاريخ" الطبري ٧/ ١٤٣: لم يفرشك غرَّة.
(٥) في "تاريخ" الطبري ٧/ ١٤٤: حرمتك.
(٦) في المصدر السابق: ابن عمرو، بدل: القرشي.
(٧) في (ب) و (خ) و (د) (والكلام منها): وأنفتُه. والمثبت من المصدر السابق.