للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وروى ابن أبي الدنيا عن صالح المُرِّي أنه قال: كان عطاء (١) قد أضرَّ بنفسه حتى ضَعُفَ، فسألتُه أن يشربَ شَرْبةً من سَويق (٢)، وبعثتُ بها مع ابني، وقلت: لا تبرح حتى يشربَها، فجاء فقال: قد شربَها. فلما كان في اليوم الثاني بعثتُ له مثلَها، فرجع وقال: لم يشربها، فأتيتُه و [لُمتُه]. قلت: هذا ممَّا يُعِينُك على الصلاة والعبادة. فقال: إني عالجتُ نفسي على شُربها فلم أقدر، وكلما أردتُ أن أشربَها ذكرتُ قولَه تعالى: ﴿يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ﴾ [إبراهيم: ١٧]. فبكى صالح وقال: أنا في وادٍ، وأنت في واد.

وروى ابنُ أبي الدنيا أن جارة لعطاء سجرت تَنُّورًا (٣)، فنظر إليه [عطاء] فغُشيَ عليه.

وقال الدورقي: كان إذا بكى (٤)، بكى ثلاثة أيام بلياليها، ودخلوا عليه وحوله بَلَلٌ، فظنُّوه قد توضَّأ، فقالت عجوز في داره: هذه دموعُه.

و [قال ابن أبي الدنيا:] عُوتب على كثرة بكائه، فقال: إني إذا ذكرتُ أهل النار وما ينزلُ بهم من العذاب مثَّلتُ نفسى بينهم، فكيف بنفس تُغَلُّ يدُها إلى عنقها، وتُسحب إلى النار، وما يغني البكاء عن أهله إن لم يرحمهم الله (٥)؟!

وخرج في جنازة، فغُشيَ عليه أربع مرات حتى صُلِّيَ عليها (٦).

وروى أبو نُعيم قال: كان عطاء يمسُّ (٧) جسدَه بالليل مخافةَ أن يكون قد مُسخ.


(١) في (ب) و (خ) و (د): وقال صالح المُرِّي: كان عطاء … إلخ. والمثبت من (ص). والخبر في "حلية الأولياء" ٦/ ٢١٨، و"صفة الصفوة" ٣/ ٣٢٥.
(٢) هو طعام يتخذ من دقيق الحنطة والشعير؛ سمّي بذلك لانسياقه في الحلق.
(٣) في (ب) و (د). وسجرت جارة لعطاء تنورًا. وفي (خ): وسجرت جارية … والمثبت من (ص). والخبر في "حلية الأولياء" ٦/ ٢١٨، و"صفة الصفوة" ٣/ ٣٢٦.
(٤) في (ب) و (خ) و (د): وكان إذا بكى … إلخ. والمثبت من (ص). والخبر في "حلية الأولياء" ٦/ ٢١٨، و"صفة الصفوة" ٣/ ٣٢٦ عن عبد الرحمن بن مهدي عن عفيرة العابدة، وليس عن الدورقي.
(٥) محاسبة النفس (١٣٧)، وصفة الصفوة ٣/ ٣٢٧.
(٦) حلية الأولياء ٦/ ٢٢٠، وصفة الصفوة ٣/ ٣٢٧.
(٧) في (ب) و (خ) و (د): وكان يمسُّ … والمثبت من (ص). والخبر في "حلية الأولياء" ٦/ ٢٢٢، و"صفة الصفوة" ٣/ ٣٢٨.