للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو الفرج الأصفهاني (١): كان محمَّد بن يحيى بن زيد بن عليّ (٢) قد قام بطبرستان بعد مقتل أبيه في أيام بني العباس واستولى عليها، فكان يُفَوِّقُ الخَراجَ وبيتَ المال في القبائل؛ قريشٍ أولًا، ثم في الأنصار، ثم في العلماء وأهل القرآن وسائر الطبقات حتَّى لم يُبق درهمًا.

وإنه جلس يومًا على عادته، ففرَّق المال، فقام إليه رجلٌ، فسأله: أَمِنْ بني عبد مناف أَنْتَ؟ قال: نعم. قال: أَمِنْ بني أميَّة أَنْتَ؟ قال: نعم. قال: من أيِّ ولده؟ فأمسك. قال: لعلَّك من ولد يزيد بن معاوية؟ قال: نعم. فقال: بئس الاختيارُ اخترتَ لنفسك حيث قصدتَ بلدًا ولاتُه آلُ أبي طالب، وعندك ثأرُهم في سيِّدهم، وقد كان لك منصرفٌ إلى الشَّام، أو إلى العراق، ولقد جهلتَ وخاطرتَ بنفسك. فنظر إليه العلويُّون نظرًا منكرًا، فصاح بهم محمَّد، فسكنوا، فقال: هل تظنُّون في قتل هذا دَرَكًا لقتل الحسين؟! أيُّ جُرم لهذا؟ إن الله يقول: ﴿النَّفْسَ بِالنَّفْسِ﴾ [المائدة: ٤٥] وهذا ما قتل، وواللهِ لئن تعرَّضَ إليه أحد لأُقِيدنَّه به (٣).

ثم قال: اسمعوا حديثًا يكون لكم قدوةً: عُرض على أبي جعفر سنةَ حجَّ جوهرٌ فاخر، وقيل له: هذا كان لهشام بن عبد الملك، وقد بقيَتْ منه بقيَّة عند محمَّد بن هشام، وهو معك بمكة، فأمر بغلق أبواب الحرم، وأمرَ الربيعَ (٤) أن يقفَ على بابِ يعترضُ النَّاس، وكان محمَّد بن هشام في المسجد قد تنكّر، وكان في المسجد عمِّي محمدُ بن زيد، فرأى محمَّد بنَ هشام متحيِّرًا ولم يعرفه، فقال له: يَا هذا ما الذي بك؟ قال: ولي الأمان؟ قال: نعم. قال: أنا محمَّد بن هشام، فمن أَنْتَ؟ قال: محمَّد بن


(١) روى التنوخيُّ الخبر في "الفرج بعد الشدة" ٢/ ٣٣٤ عن أبي الفرج الأصفهاني، ورواه ابن حمدون في "التذكرة الحمدونية"٢/ ٢١٣ عن التنوخي.
(٢) كذا قال. ولعله وهم، ففي المصدرين السابقين: محمَّد بن زيد الداعي. ثم إنّ المصادر لم تذكر ليحيى بن زيد بن عليّ ابنًا اسمُه محمَّد، مع أنَّ المصنف سيذكره في ترجمة أَبيه يحيى بنّ زيد، آخر السنة (١٢٥). فلعل الوهم تكرّر، والله أعلم.
(٣) في النسخ المذكورة: لأقصدنه به. وأثبتُّ اللفظة على الجادَّة مستفيدًا من عبارة المصدرين السابقين، وفيهما: واللهِ لا يعرضُ له أحد إلَّا أقدتُه به.
(٤) هو الرَّبيع بن يونس وزير أبي جعفر المنصور.