للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وحكى القاضي التنوخي عن الهيثم بن عدي، عن حمَّاد الراوية قال: كنتُ منقطعًا إلى يزيد بن عبد الملك، وهو يومئذ خليفة، وكان هشام يجفوني لذلك.

فلمَّا مات يزيد ووليَ هشام؛ نزلتُ إلى العراق، فأقمتُ بالكوفة سنةً ملازمًا لبيتي لا أخرج منه سنة.

قال: فخرجت يوم جمعة، فصلَّيتُ عند باب الفيل، وإذا شرطيَّان قد وقفا على رأسي، فقالا: أحب الأمير يوسف بن عمر. فقلتُ: أسيرُ إلى أهلي، فأودِّعُهم وداعَ من لا يرجع إليهم أبدًا. قالا: لا سبيل إلى ذلك (١).

قال: فاستسلمتُ ومضَيْتُ إلى يوسف، فدخلتُ، فسلَّمتُ عليه، فردَّ السلام، ورمى إليَّ بكتاب هشام، وإذا فيه: فإذا قرأتَ كتابي هذا؛ فابعث إليَّ بحمَّاد الراوية غير مروَّع، وادْفَعْ إليه جملًا مَهْرِيًّا (٢)، وخمس مئة دينار، وليكن عندنا بدمشق بعد اثنتي عشرة [ليلة].

قال: فقبضتُ المال، وسِرتُ إلى دمشق، فوافيتُها في اثنتي عشرة ليلة، ودخلتُ على هشام، وإذا به في مجلس مفروش بالرُّخام، بين كل رُخامتين قضيبٌ من الذهب، وحيطانُه كذلك، وهو جالس على طِنْفِسةٍ حمراء، وعليه ثياب من الخَزّ حُمْرٌ، وبين يديه أواني الذهب، فيها المسك والعنبر، يُقلِّبُهُ بيده، فتفوحُ رائحتُه، فسلَّمتُ عليه، فردَّ، واستدناني، فقَبَّلْتُ قدميه، وبين يديه جاريتان لم أرَ مثلَهما، وفي أذن كلِّ واحدة منهما حلقتان تتوقَّدان، فسألني عن حالي، فقلتُ: أنا بخير. فقال: أتدري لِمَ أرسلتُ إليك؟ قلت: لا. قال: خطرَ ببالي قولُ القائل:

ودَعَوْا (٣) بالصَّبوح يومًا فجاءت … قَينَةٌ في يمينها إبريقُ

فلم أدرِ لمن هو. قال: فقلتُ: هذا البيت لعديّ بن زيد العِبَادي، من قصيدة أنشدني إيَّاها هو. قال: وما هي؟ فقلت:


(١) قال ابن خلِّكان في "وفيات الأعيان" ٢/ ٢٠٩: ما يمكن أن تكون هذه الواقعة مع يوسف بن عمر الثَّقَفيّ لأنه لم يكن واليًا على العراق في التاريخ المذكور، بل كان متوليه خالد بن عبد الله القسري.
(٢) نسبة إلى مَهْرَة بن حَيدان (أبو قبيلة)، وهم حيٌّ عظيم باليمن. وإبلُهم من نجائب الإبل وخيارها.
(٣) في (ص) (والكلام منها): ودعونا. والمثبت من المصادر.