للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الواقديّ: خرج هشام يومًا إلى أصحابه وهو كئيب، فسألوه عن حاله، فقال: كيف لا أحزن وأنا أموت بعد ثلاث وثلَاثين ليلة؟! فلما استكملها مات، كأنَّه رآه في منامه (١).

[قال أبو اليقظان:] ولما احتُضر نظر إلى أولاده يبكون حوله، فقال: جاد لكم هشام بالدنيا، وجُدْتُم له بالبكاء، وترك لكم جميع ما جمع، وتركتُم عليه إثم ما اكتسب، ما أعظم منقلب هشام إن لم يُغفر له (٢)!

وقال [ابن أبي الدنيا في كتاب "الاعتبار وأعقاب السرور والأحزان" عن] المنهال مولى بني أمية: حبسَ هشام بنُ عبد الملك عياضَ بن مسلم (٣) كاتب الوليد بن يزيد، وضربه، وألبسه المُسُوح، فلم يزل محبوسًا حتَّى مات هشام.

فلما ثَقُل وصار في حدِّ أنَّه لا يُرجى؛ رَهِقَتْه غَشْيَة، فظنُّوا أنَّه قد مات، فأرسل عِياض إلى الخُزَّان: احتفظوا بما في أيديكم، فلا يصلنَّ أحدٌ إلى شيء.

وأفاقَ هشام فطلبوا من الخُزَّان شيئًا، فلم يعطوهم. فقال هشام: إنما كنا خُزَّانًا للوليد. ومات [هشام] من ساعته، فخرج عِياض إلى الخزائن فختم عليها، وأمر بهشام، فأُنزل عن سريره، ومنعهم أن يكفِّنوه من الخزائن، فكفَّنه غالب مولاه، ولم يجدوا قُمْقُمًا يسخنوا [له] فيه الماء حتَّى استعاروه (٤).

[وقيل:] واشترَوْا له حطبًا من السوق، فقال النَّاس: إن في ذلك لعبرةً لمن اعتبر (٥).

[قال هشام: وكان الوليد بن يزيد قد هرب من الرُّصافة خوفًا من هشام، وتركَ كاتبَه عياضَ بنَ مسلم عند هشام يطالعُه الأخبار، وكان عياض كاتبًا لعبد الملك بن مروان، فعلم هشامٌ، فحبسَه] (٦).


(١) أنساب الأشراف ٧/ ٣٢٣، ومختصر تاريخ دمشق ٢٧/ ١٠٤ ضمن خبر مطول.
(٢) أنساب الأشراف ٧/ ٣٦٢، ومختصر تاريخ دمشق ٢٧/ ١٠٤.
(٣) في النسخ: عياض بن أبي مسلم، وهو خطأ.
(٤) الاعتبار (٦٢)، وتاريخ دمشق ٥٦/ ٤٥٥ (ترجمة عياض بن مسلم) وكذا في ترجمة هشام كما في "مختصره" ٧/ ١٠٤ - ١٠٥، وبنحوه في "أنساب الأشراف" ٧/ ٣٢٣ - ٣٢٤، و"تاريخ" الطبري ٧/ ٢٠١.
(٥) مختصر تاريخ دمشق ٢٧/ ١٠٥.
(٦) الكلام بين حاصرتين من (ص).