للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحكى ابن عائشة قال:] وكان الكميت يمدحُ بني هاشم ويذمُّ بني أميَّة، فطلبه هشام، فدخل البراري، فأقام مدَّة سنين، ثم طال عليه، فخرجَ إلى برِّيَّة الشام، وكان مسلمةُ بنُ عبد الملك قد خرج مُتصيِّدًا، فصادفَ الكميتَ، فسلَّم على مَسْلَمة، وقيل: أما بعد حمد الله:

يا مَسْلَمَ بنَ أبي الوَليـ … ـدِ لميِّتٍ إنْ شئتَ ناشِرْ

عَلِقَتْ حِبالي من حِبا … لِكَ ذِمَّةَ الجارِ المُجاورْ

فقال مَسْلَمةُ: مَن هذا الذي بدأَنا بالسلام، ثم ثنَّى بحمد الله -أو بقوله: أمَّا بعد- ثم بالشعر؟! فقيل له: الكُميت. فأعجَبَه ما سمعَ من فَصاحته وبلاغَته، وسألَه عن غَيبَته، فقال: الخوفُ والجوع. قأجاره.

وكان لمسلمة عند هشام كلَّ يوم حاجة مقضيَّة، فأدخلَه على هشام وهو لا يعرفُه، فقال [الكُمَيْت]: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمةُ الله وبركاته، الحمد لله. فقال هشام: نعم، الحمدُ لله. فقال الكميت: مبتدئ الحمدِ ومبتدعِه (١)، الذي خصَّ بالحمد (٢) نفسَه، وأيَّد به (٣) ملائكتَه، وجعلَه فاتحةَ كتابه، ومنتهى شكره، وكلامَ أهلِ جنَّته، أحمدُه حَمْدَ مَنْ علمَ يقينًا، وأبصرَ مستبينًا (٤)، وأشهدُ له بما شَهِدَ لنفسه قائمًا بالقسط، لا إله إلا هو (٥) وحدَه لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه العربيّ، ونبيُّه الأمِّيُّ. وهذا مقامُ العائذ (٦) بك يا أمير المؤمنين، فكم من عاثرٍ أقَلْتَه عَثْرَتَه، ومجرمٍ غفرتَ له زلَّتَه، فقال هشام: مَن أنت؟ فقال مَسْلمة: الكُمَيت، وقد أَجَرْتُه. فقال له هشام: ويحك! مَنْ سَنَّ لك سبيل الغَواية؟ فقال: الذي أخرج أبي من الجنة فنسيَ ولم يجد له عزمًا (٧)، وأميرُ المؤمنين كريحِ رحمةٍ أثارَت سحابًا متفرِّقًا، فلفقَتْ (٨)


(١) في (خ) و (د): مبتدئًا الحمد ومبدعه. والمثبت من (ص).
(٢) في (خ) و (د): بالمدح. والمثبت من (ص).
(٣) في (ص): وأربد (؟) وفي "العقد الفريد" ٢/ ١٨٤: وأمر.
(٤) في (ص): مستقينًا. وهو تحريف.
(٥) في (ص): لا إله إلا هو العزيز الحكيم.
(٦) في الكلام اختصار مخلّ، فبعد الشهادتين أثنى الكُميت على رسول الله ثم ابتدأ بالاعتذار لهشام عمَّا كان منه، ثم قال: وهذا مقام العائذ. . . إلخ. ينظر كلامه بتمامه في "العقد الفريد" ٢/ ١٨٤.
(٧) يشير إلى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)﴾ [طه: ١١٥].
(٨) في (ص): فلفَّت.