للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه، حتى بلغَه أن عيدًا للنصارى قد قرُب، وأنها ستخرجُ فيه، وكان في موضع العيد بستانٌ، وكان النساء يدخلنه، فصانَع الوليدُ صاحب البستان أن يدخل فينظر إليها، فأجابه، فتقشَّف الوليد وغَيَّرَ حليته، ودخل البستان.

وجاءت سَفْرَى فجعلت تمشي حتى انتهَتْ إليه، فقالت لصاحب البستان: مَنْ هذا؟ فقال: رجل مصابٌ. فجعَلَتْ تُمازحه وتُضاحكه حتى اشتفى من حديثها والنظر إليها، ثم خرج، فقال صاحب البستان لسفرى: أتدرين مَن الرجل؟ قالت: لا. قال: الوليد بن يزيد، وإنما غيَّر حليته لينظر إليك. فجُنَّت به بعد ذلك، فكانَتْ عليه أحرصَ منه عليها، فقال الوليد في ذلك [هذه الأبيات]:

أَضْحَى فؤادُك يا وليدُ عميدا … صَبًّا قديمًا للحِسانِ صَيُودَا

من حُبِّ واضحةِ العوارضِ طَفْلَةٍ … بَرَزَتْ لنا نحو الكنيسةِ عِيدا

ما زلتُ أرمُقُها بعَينَيْ وامقٍ … حتى بَصُرْتُ بها تُقَبِّلُ عُودا

عُود الصليبِ فوَيْحَ نفسي مَنْ رأى … منكم صليبًا مثلَه معبُودا

فسألتُ ربي أن أكونَ مكانَه … وأكونَ في لهبِ الجحيم وَقُودا

قال المُعافى بن زكريا: لم يُدرك مُدْرِكُ الشيبانيُّ هذا الحدَّ من الخلاعة إذ قال في عَمرو النصرانيّ:

يا ليتني كنتُ له صَلِيبًا … فكنتُ منه أبدًا قريبا

أُبْصِرُ حُسنًا وأَشَمُّ [طِيبا] … لا واشيًا أخشى ولا رَقِيبا (١)

قال: ولمَّا ظهر أمر الوليد وعلمه الناس، قال:

ألا حبَّذا سَفْرَى وإن قيل إنني … كَلِفْتُ بنصرانيَّةٍ تشربُ الخمرا

يهونُ عليَّ أن نظلَّ نهارَنا … إلى الليل لا أُولَى أُصَلِّي ولا عصرا (٢)

ورُوي عن القاضي المُعافى [يعني في كتابه المسمَّى بالجليس والأنيس] وذكر فيه أن الوليد [بن يزيد] خرج من دمشق ومعه راكبان، فسار إلى الحِيرَة عند الكوفة؛ بلغَه أن


(١) تاريخ دمشق ١٧/ ٩٢٨ (مصورة دار البشير)، وينظر أخبار مدرك الشيباني في "معجم الأدباء" ١٩/ ١٣٥. ومن قوله: عود الصليب (البيت الثالث) … إلى هذا الموضع، ليس في (ص).
(٢) تاريخ دمشق ١٧/ ٩٢٨ (مصورة دار البشير) ولم يرد البيت الثاني في (ص).