للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقلت: [يا جارية] فما ثمنُك؟ فقالت:

تَوَدُّدُ اللهِ مَعْ محبَّتِهِ … وطُولِ فِكْرِ يُشابُ بالحَزَنِ

فقلتُ: لمن أنتِ؟ فقالت:

لمالكٍ لا يَرُدُّ لي ثَمَنًا … مِن خاطبٍ قد أتاهُ بالثَّمَنِ

قال: فانتبه، وآلَى على نفسه أن لا ينامَ الليل (١).

وذكر أسلم الكوفيُّ (٢) أنَّ امرأةً من عابدات البصرة وقفَتْ على عبد الواحد وهو يَعِظُ، فصاحت [به]: أيُّها المتكلِّم عن غيره، تكلَّم عن نفسك، وإلا فاصْمُتْ، ما أُشَبِّهُك إلا بمعلِّم الصبيان، تعلِّمُهُم نهارًا، فإذا عادوا إلى منازلهم نَسُوه، وإنما ينبغي أن تَعِظَ بلسانِ فعلِك، لا بزخاريف عباراتك، واللهِ لو متَّ ما صلَّيتُ عليك. قال: فدهش عبدُ الواحد من كلامها، ونزل من المنبر واجمًا، فنزل، فجلس في بيته، فلم يخرج إلى الناس سنة كاملةً.

قال المصنف : وهذه العابدة اسمها حَيُّونَة (٣)، وكانت من العابدات، وكانوا يفضِّلُونها على الحسن وابنِ سيرين، وكانت لا تزال بمقابر البصرة، فإذا قيل لها في ذلك تقول:

وليس للميِّت في قَبْرِهِ … فِطْرٌ ولا أضحى ولا عَشْرُ

بان (٤) من الأهل على قربِهِ … كذاك مَنْ مسكنُه القَبْرُ (٥)

وكانت تقول: مَنْ أحبَّ [الله] أنِسَ، ومَنْ أَنِسَ طَرِبَ، ومن طَرِبَ اشتاق، ومن اشتاقَ وَلِهَ، ومَنْ وَلِهَ خَدَم، ومَنْ خَدَمَ وَصَلَ، ومن وَصَلَ اتَّصَلَ، ومَن اتَّصَلَ قَرُبَ، ومَنْ قَرُبَ سهر، ومَنْ سَهِرَ تَوالتْ عليه الهُموم والأحزان (٦).


(١) ينظر أيضًا "صفة الصفوة" ٣/ ٣٢٤.
(٢) في "عقلاء المجانين" ص ١٣٢: سلام الأسود. والخبر فيه بنحوه.
(٣) تحرفت في (خ) و (د) إلى: حيوفة، وفي (ص) إلى: حيوية. والمثبت من "عقلاء المجانين" ص ١٣١، وكذا قيَّدها ابن ناصر الدين في "توضيح المشتبه" ٢/ ٢٢٠.
(٤) في (ص): تأمن.
(٥) عقلاء المجانين ص ١٣٢.
(٦) المصدر السابق باختلاف يسير.