للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقام مروانُ بإزاء الخوارج وكانوا قد استَوْلَوْا على المَوْصل، وعقدُوا جسورًا من شرقيِّ دِجْلة إلى المَوْصل، فكانت مِيرَتُهُم وما يحتاجون إليه منها، ومروان غربيَّ المَوْصِل قد خندقَ عليه، فأقامَ يقاتلهم تمامَ السنة دائمًا بُكرةً وعشيًّا.

فخرج يومًا رجلٌ من عسكر مروان وطلبَ البِرازَ، فبرز إليه أميَّة بن معاوية بن هشام ابنُ أخي سليمان، فأخذَه الرجل أسيرًا، فأتى به مروانَ، فقال له: يا عمّ، أَنْشُدُكَ اللهَ والرَّحِم. فقال: أنتم قطعتُم وشائج الأرحام بيننا. وأمرَ به فقُطعت يداه ورِجلاه، وسُليمان وإخوتُه ينظرون إليه، ثم قتلَه (١).

وسار ابنُ هُبيرة إلى العراق، فقاتلَ خليفةَ الضَّحّاك، فقتلَه، وأبادَ الخوارجَ، واستولَى على الكوفة، فكتب إليه مروان أن يُمدَّه، فأمدَّه بعامر بن ضُبارة في سبعة آلاف (٢). وبلغَ شيبانَ قدومُه، فبعث إليه قائدَين: الجَوْن وابن غوث (٣)، فلقُوا ابنَ ضُبارة بالسنّ دون المَوْصل، واقتتلُوا، فهزَمَهم ابنُ ضُبارة، وعادوا إلى الخوارج، وتفرَّقَ عنهم كثيرٌ من أهل الطَّمع وخذَلُوهم، وانقطعت عنهم الموادّ، وفرغَ ما في المَوْصل من المِيرَة، وكانوا في مئة وعشرين ألفًا، فأصبحوا في أربعين ألفًا، فقال لهم سليمان: قد ضَعُفْنا، وكلَّما جئنا نضعف، ومروانُ تأتيه الموادّ، فارتَحِلُوا من المَوْصل، فلا مُقام لنا بها.

فساروا على حميَّة نحو حُلْوان [إلى] الأهواز وفارس، وبعثَ مروانُ ابنَ ضُبارة، وأضافَ إليه جندًا مع جماعة من قوَّاده، وأمرَه أن يتبعهم حتى يستأصلَهم، وافترقوا فرقتين وهو في آثارهم، وافترقُوا من فارس، فأخذ شيبانُ ناحيةَ البحرين، فقيل: إنه قُتلَ بها، وسار سليمان بأهله ومواليه نحو السِّند، وركبوا في السفن، وعاد مروان إلى حرَّان، فأقام بها حتى شخص إلى الزَّاب (٤).


(١) تاريخ الطبري ٧/ ٣٤٩ - ٣٥٠.
(٢) المصدر السابق.
(٣) في (خ) و (د): قايد بن الحرث وعون. والمثبت من "تاريخ" الطبري ٧/ ٣٥٠. وينظر "الكامل" ٥/ ٣٥٤.
(٤) تاريخ الطبري ٧/ ٣٥٠ - ٣٥١. وينظر "أنساب الأشراف" ٧/ ٦١٢ - ٦١٣.