[يوسف: ٢١] فقد قالت العلماء: حيث أمر يعقوب يوسف أن لا يقص رؤياه على إخوته فغلب أمر الله حتَّى قصَّها، ثم أراد يعقوبُ أن لا يكيدوه فغلب أمر الله حتَّى كادوا، ثم أراد إخوة يوسف قتله فغلب أمر الله فلم يقدروا عليه، ثم أرادوا أن يلقوه في الجبِّ ليلتقطه بعض السيَّارة فيندرس اسمه، فغلب أمر الله حتَّى اشتهر ذكره ونفذ أمره، ثم باعوه ليصير مملوكًا فغلب أمرُ الله حتَّى صار مالكًا وسجد إخوته له، ثم أرادوا أن يخلو لهم وجه أبيهم، فغلب أمر الله حتَّى ضاق عليهم قلب أبيهم، ثم أرادوا أن يكونوا من بعده قومًا صالحين تائبين ناسين لذنوبهم، فغلب أمر الله حتَّى اعترفوا بعد أربعين سنة ﴿إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ﴾ [يوسف: ٩٧] ثم أرادوا أن يَغُرُّوا أباهم بالقميص والدم والبكاء فغلب أمر الله حتَّى لم يخدع، وقال: ﴿بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا﴾ [يوسف: ١٨ - ٨٣] ثم احتالوا حتَّى تذهب محبته من قلب أبيه، فغلب أمر الله حتَّى ازداد محبة وشوقًا إليه، ثم احتال يوسف على الخلاص من السجن بقوله للساقي: ﴿اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ﴾ [يوسف: ٤٢] فغلب أمر الله حتى نسي الساقي، فلبث في السجن بضع سنين، ثم احتالت امرأة العزيز على أن تزيل المراودة عن نفسها حين قالت: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٥] فغلب أمر الله حتَّى شهد الشاهد من أهلها. وكل هذا دليل على القول الأول: ﴿وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [يوسف: ٤٠] ما الله صانع بيوسف ولا ما يؤول إليه أمره.
فإن قيل: فما سبب ميل يعقوب إلى يوسف دون إخوته؟ فالجواب من وجوه:
أحدها: للسرِّ الذي كان فيه.
والثاني: لحسنه وجماله.
والثالث: لأنَّه لم يكن له أم.
والرابع: لعقله وتأنِّيه.
قوله تعالى: ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ﴾ أي: منتهى شبابه وقوَّته، واختلفوا فيه على أقوال: