للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذكر سبب توبته: قرأتُ على شيخنا الموفَّق من كتاب "التوَّابين" (١) عن مالك بن دينار أنَّه سُئلَ عن سبب توبته، فقال (٢): كُنْتُ شُرْطيًّا مُنهمكًا على شُرب الخمر، فاشتريتُ جاريةً نفيسةً، فوقَعَتْ في قلبي أحسنَ مَوْقع، ووَلَدَتْ لي بنتًا، فشُغِفْتُ بها، فلمَّا دَبَّتْ على الأرض؛ ازْدَدْتُ لها حُبًّا، فكنتُ إذا وضعتُ المُسْكِرَ بين يَدَيّ؛ جاذَبَتْني عليه، وهَرَقَتْه على ثوبي، فلما تَمَّتْ لها سنتان؛ ماتَتْ، فأَكْمَدَني حُزْنُها.

فلما كانت ليلةُ النصف من شعبان -وكانت ليلةَ الجمعة؛ بِتُّ ثَمِلًا من الخمر، ولم أُصَلِّ العِشاءَ الآخِرة- نمتُ، فرأيتُ في المنام كأنَّ القيامةَ قد قامَتْ وقد نُفخ في الصُّور، وبُعثرَ ما في القبور، وحُشر الخلائقُ وأنا معهم، فسمعتُ حِسًّا من ورائي، فالتفتُّ؛ فإذا بتِنِّينٍ فاتحٍ فاه، أزرقَ أسودَ؛ كأعظمِ ما يكون، وهو مسرعٌ نحوي، فهربتُ منه، وإذا بشيخٍ (٣) نقيِّ الثوبِ طيِّبِ الرائحة، فسلَّمتُ عليه، فردَّ، فقلتُ: أجِرْني من هذا التِّنِّين أجارَك الله. فبكى وقال: أنا ضعيفٌ، وهذا أقوى مني، ولا أقدرُ عليه، ولكن أسْرِعْ فلعلَّ اللهَ أن يُتيحَ لك (٤) ما يُنجيك منه.

قال: فولَّيتُ هاربًا على وجهي، وصَعِدْتُ على شَرَفٍ من شُرَف القيامة، فأشرَفْتُ على طبقات النِّيران، فنظرتُ إلى هَوْلها، فكِدْتُ أن أهويَ فيها من خوفي من التِّنِّين، فصاح بي صائح: ارْجِعْ، فلستَ من أهلها، فأطمأْنَنْتُ إلى قوله، ورجع التِّنِّين في طلبي، فأتيتُ الشيخَ فقلتُ له: سألتُك بالله إلا أجَرْتَني من هذا التِّنِّين. فقال: أنا ضعيف، ولكنْ سِرْ إلى هذا الجبل، فإنَّ فيه ودائعَ المسلمين، فإنْ كانت لك فيه وديعةٌ فسَتنصُرُك.

قال: فنظرتُ فإذا جبلٌ مستديرٌ من فضَّة، وفيه كُوًى مُخَرَّمة وستورٌ معلَّقة، على كل خوخةٍ سترٌ، وتحتَه مصراعان مُرَصَّعانِ باليواقيت، وهما من الذهب الأحمر والفضة


(١) ص ٢١٥ - ٢١٨.
(٢) من أول ترجمة مالك بن دينار … إلى هذا الموضع؛ لفظُه من (ص)، وجاء في (خ) و (د) مختصرًا ودون نسبة الأقوال إلى أصحابها.
(٣) في (ص): شيخ كبير.
(٤) في (ص): يفتح عليك.