للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الشيطان ذكر ربه، وحين قال: ﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُون﴾ [يوسف: ٧٠] فقالوا: ﴿إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ﴾ [يوسف: ٧٧].

قلت: أمَّا قوله: ﴿إِنَّكُمْ لَسَارِقُون﴾ فإنه صادق في قوله، وأيُّ سرقة أعظم من يوسف؟

قوله تعالى: ﴿وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ﴾ [يوسف: ٣٦]، وهما غلامان كانا للوليد بن الريان صاحب مصر، أحدهما خبازه صاحب طعامه، واسمه: مجلث، والآخر ساقيه صاحب شرابه، واسمه: نبو. وكان الملك قد غضب عليهما فحبسهما، لأنه بلغه أنّ خبازه يريد أن يسمَّه، وأن ساقيه مالأه على ذلك، وكان أهل مصر قد سئموا الملك فدسوا إليهما مالًا، فأما الساقي فرجع عن الرشوة، وأما الخباز فقبلها فسمَّ الطعام، فلما أحضره بين يدي الملك قال له الساقي: أيها الملك لا تأكلْ فإنه مسموم، فقال الملك للساقي: اشرب فشرب منه فلم يضرَّه، وقال للخباز: كُلْ فلم يأكل، فجرَّب الطعام في دابةٍ فانفسخت وهلكت، فأمر بحبسهما.

وكان يوسف في السجن يعبّر الأحلام، فقال الخبَّاز والساقي: نريد أن نجرِّب هذا العبد العبراني بمنام.

واختلفوا هل رأيا شيئًا؟ على قولين: أحدهما: أنهما ما رأيا شيئًا وإنما أرادا أن يجرِّباه، وهذا قول ابن مسعود. والثاني: أنهما رأيا رؤيا، قاله مقاتل.

وقال مجاهد: ولما رأى الفتيان يوسف قالا له: والله لقد أحببناك حين رأيناك، فقال لهما: أنشدكما الله أن لا تحباني، فوالله ما أحبني أحد قط إلا دخل عليَّ من حبِّه بلاءٌ شديد، لقد أحبتني عمتي فدخل عليَّ من محبتها بلاء، يشير إلى المنطقة، لما نذكر، ثم أحبني أبي فدخل عليَّ من حبه بلاء، ثم أحبتني زوجة العزيز فدخل عليَّ من حبها بلاء، يشير إلى الحبس، فلا تحبَّاني بارك الله فيكما. قال: فأبيا إلا حبَّه وأَلِفَاه وجعلا يعجبهما ما يريان من فَهمه وعقله، وقد كانا رأيَا حين أدخلا السجن، فقال الساقي ليوسف: رأيتُ كأني في بستانٍ فإذا نُخَيلَة عليها ثلاثة عناقيد من عنب فجنيتها، وكان كأس الملك بيدي فعصرتها فيه وسقيت الملك فشربه، وقال الخباز: رأيتُ كأنَّ فوق رأسي ثلاثَ سلالٍ من خبزٍ وألوان الأطعمة وإذا بسباع الطير تنهشُ منه، فذلك