للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال الملك: ائتوني به ﴿أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي﴾، قال علماء السِّير: لما رجع الساقي إلى الملك، وأخبره بتأويل يوسف لرؤياه قال ذلك، لأنه علم صدقَ تعبيره، فقال: ائتوني بهذا الَّذي عبَّر رؤياي فقد وقع في قلبي صدقه ﴿فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ﴾ قال له: أجب الملك، فقال للرسول: ﴿(ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾ أي: سيدك ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيدِيَهُنَّ﴾ والمرأة التي حُبست بسببها ﴿إِنَّ رَبِّي بِكَيدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: ٥٠] أي: بصنيعهن.

فإن قيل: فهذا الجواب غير مطابق للسؤال، لأن طلب الملك له لا تعلق له بالنسوة. فالجواب: إنما قصد براءَة ساحته عند الملك وإظهارَ عذرِهِ للناس، لأن حديثه وصل إلى الملك، فأراد أن يزولَ ما في باطن الملك مما نُقِلَ إليه عنه لينتفع به ويحسن ظنُّه ولا يبقى في قلبه أثر.

وقد روينا في "الصحيحين" عن أبي هريرة عن رسول الله أنَّه قال: "ولو لبثتُ في السِّجنِ ما لبِثَ يُوسفُ لأجَبتُ الدَّاعي" (١). وقد ذكرنا الحديث في سيرة الخليل .

وذكر الثعلبي حديثًا فقال: قال رسول الله : "لقد عجِبتُ من يُوسفَ وكرمِه وصبرِه، واللهُ يَغفرُ له، حينَ سُئل عن البقراتِ السِّمانِ والعِجافِ، ولو كُنْتُ مكانَه ما أخبرتُهم بشيءٍ حتَّى يُخرجُوني، أو أشترط محليهم أن يُخرجُوني، ولقد عجِبتُ من يُوسفَ وصبرِه وكرمِه، واللهُ يغفرُ له، حين أتاهُ الرَّسولُ فقال: ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾ [يوسف: ٥٥] الآية، ولو كُنْتُ مكانَه ولبثتُ في السِّجنِ ما لبثَ لأسرعتُ الإجابةَ وبادرتُهم إلى البابِ وما ابتغيتُ العُذرَ إنَّه كان لحليمًا ذا أناة" (٢). وكل هذا مدح ليوسف .

وقال ابن عباس: لو خرج يوسف قبل أن يعلم الملك شأنه، ما زالت في نفس العزيز منه حاجةٌ، يقول: هذا الَّذي راود امرأتي.


(١) صحيح "البخاري" (٣٣٧٢)، وصحيح "مسلم" (٢٣٨).
(٢) "عرائس المجالس" ١٢٨، وتفسير الثعلبي ٥/ ٢٢٨ - ٢٢٩، وأخرجه الطبري ٦/ ١٣٦، وابن أبي حاتم ٧/ ٢١٥٦ مرسلًا عن عكرمة.