للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابنُ أبي الدنيا: فصرخَ رِياح، وسقط مغشيًّا عليه، فلما أفاق جعل يمسح العرقَ عن وجهه، ويقول: رحمةٌ منه ألقاها في قلوب العباد للأطفال.

وجاء رجلٌ إلى رابعة فقال: إني كنتُ في ثَغْر مرابطًا، فرأيتُ منكرًا، فخرجتُ منه لأعمل في تغييره، فقالت له: ارجع إلى ثَغْرك؛ فإنك إن صرتَ إلى أبوابهم رأيتَ من المنكر ما يصغُرُ عندك ما خرجتَ في تغييره، ثم لا تأمَنُ على نفسك الفتن.

وقالت: رأيتُ رسول الله في منامي، فقلت: يا رسول الله، اُعذرني؛ فإن محبَّة الله شغلتني عن محبَّتك، فقال: يا مباركة، إذا أحببتِ الله فقد أحببتِني.

وذُكر بين يديها أن عابدًا في بني إسرائيل كان لا يَطْعَم الطعام في كلّ سنة إلا مرَّة واحدة، ينزل من صومعته، فيأتي مزبلة على باب ملك، فيتقمَّمُ منها من فضل مائدته، فقال رجل عندها: وما على هذا إذا كان بهذه المنزلة أن يسأل الله أن يجعل رزقَه في غير هذا؟ فقالت رابعة: إنَّ أولياء الله إذا قضى لهم قضاء لم يتسخَّطوه.

وخرجت رابعةُ في يوم عيدٍ، فلما رجعت قيل لها: كيف رأيتِ العيد؟ فقالت: رأيتُكم خرجتُم لإحياء سنَّة وإماتة بدعة، فأظهرتُم نعمًا أدخلتُم بها على المسلمين ذلَّة.

ولما قصَّ رياحٌ على الناس جاء يستأذن على رابعة، فلم تأذن له، وقالت: لم ظهر حزنه على الناس (١).

ذكر وفاتها:

قالت عَبْدة بنتُ أبي شوال: لما احتضرت رابعة دعتني، وقالت: يا عَبْدة، لا تُؤْذني بموتي أحدًا، وكفِّنيني في جبَّتي هذه. جبَّة من شعر كانت تقومُ فيها إذا هدأت العيون، فكفَّنَاها في تلك الجبَّة وخمار من صوف كانت تلبسه.

قالت عَبْدة: فرأيتُها بعد ذلك في منامي بسنة أو نحوها وعليها حُلَّة استبرق خضراء، وخمار من سندس أخضر، لم أَرَ في الدنيا أحسنَ منها، فقلتُ لها: يا رابعة، ما فعلت تلك الجبَّة والخمار؟ فقالت: نُزِعا عني وأُبدلت بهما هذا الذي ترين عليَّ، وطُويت


(١) في (د) حزنه للناس.