للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وما رأيتُها قطُّ، فأمر بها أبو العباس فأحضرتْ، فلما رآها عبد الله استهالها، فقال: احملوها معه إلى منزله، فجاء الناس يهنُّونه، فقال عبد الله: أتشكرون رجلًا أعطانا بعضَ حقِّنا وفاز بالباقي؟ وبلغ أبا العباس، فلم يقل شيئًا (١).

واجتمع عند السفاح وجوهُ بني هاشم والشيعةُ، وكان المجلس أحشَد ما يكون، فقام عبد الله بنُ حسن بن حسن، وبيده مصحف، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطِنا حقَّنا الذي جعله الله لنا في هذا الكتاب. فأشفق الناسُ أن يعجّلَ إليه أبو العباس بشيء، ولا يريدون ذلك في شيخ قريش وسيِّد بني هاشم، أو يعيى بجوابه، فيكون ذلك ردًّا ونقصًا له، فأقبل عليه غير متأثر ولا مُغْضَب، فقال له: إن جدَّك عليًّا كان خيرًا مني وأعدل، وَلي هذا الأمرَ، فأعطى جدَّك الحسنَ وعمَّك الحُسين شيئًا، وكانا خيرًا منك، وكان الواجبُ أن أعطيك مثلَه، فإن كنتُ فعلتُ فقد أنصفتُك، وإن كنتُ زدتُك فما هذا جزائي منك. فعجِبَ الناسُ من حسن جوابه (٢).

وقال حَفْص بنُ عمر: قدم عبد الله بنُ حسن بن حسن على أبي العباس في خلافته، فأكرمه وحباه، وقرَّبه وأدناه، وصنع به شيئًا لم يُصنع بأحد، وكان بالأنبار، وكان عبد الله يسمُرُ عنده، فسمر عنده ليلة إلى نصف الليل يحادثه، ودعا أبو العباس بسفطٍ فيه جوهر، ففتحه وقال: هذا والله يا أبا محمد الذي وصل إليَّ من الجوهر الذي كان في يدي بني أمية، ثم قاسمَه إيَّاه، فأعطاه نصفه، وبعث بالنصف الآخر إلى أمِّ سلمة امرأته، وقال: هذا عندك وديعةٌ، ثم تحادثا ساعةً، ونعس السفاح، فتمثَّل عبد الله، وقال: [من الوافر]

ألم تَرَ حَوْشبًا أمسى يُبَنِّي … قصورًا نفعُها لبني نُفَيلهْ

يؤمِّل أن يُعمَّر عمر نوحٍ … وأمرُ الله يأتي كلَّ ليلهْ

فانتبه أبو العباس، ففهم، وقال: يا أبا محمد، تتمثَّل بمثل هذا الشعر عندي وقد رأيتَ صنيعي بك ولم أدخر عنك شيئًا؟! فقال: يا أمير المؤمنين، هفوةٌ كانت والله ما أردتُ بها سوءًا، ولكنها أبياتٌ خطرت لي فتمثَّلت بها، فإن رأى أميرُ المؤمنين أن


(١) أنساب الأشراف ٣/ ١٨٦.
(٢) تاريخ بغداد ١١/ ٢٣٩. …