للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولما وصل عبد الله إلى البصرة، وكانت عنده أَمَة الحُميد بنتُ [محمد بن] (١) عبد المطلب بن ربيعة، قالت له: أفنيتَ أهل الشام وكانوا فرسانكم، وأهلَ خراسان وكانوا أنصاركم، ثم ادّعيت الخلافةَ، وحاربت ابنَ أخيك وهو الخليفة، فلم تُبق غايةً، ولم تدع جهدًا، ثم هربتَ إلى غير حصن ولا ملجأ، فهلا متَّ كريمًا، فوالله لتقاسينَ ذلا طويلًا، وهوانًا كبيرًا. فغضب من كلامها وفارقها، وكَان لها منه أولاد: محمَّد، وعيسى، وأم محمَّد، وأم عبد الله.

وأما أبو مسلم فإنه لما كتب إلى أبي جعفر بالفتح بعث أبو جعفر أبا الخصيب مولاه ليُحصي ما أصابوا في عسكر عبد الله، فغضب أبو مسلم من ذلك، وسنذكره إن شاء الله.

وأقام عبد الله عند أخيه سليمان بالبصرة مدةً، ثم نزل سليمان إلى أبي جعفر، فقال له: يا أمير المؤمنين إنَّ عبد الله ابنُ أبيك، وعفوكَ لا يضيق عنه، وفيه مستصلحٌ، فأمِّنه، فقال: هو آمنٌ إذا رأيتَه. وسنذكر هذا إن شاء الله تعالى.

وفيها قتل أبو جعفر أبا مسلم الخراساني، وولَّى خراسان أبا داود خالد بنَ إبراهيم.

وفيها خرج فيروز الأصبهبذ -واسمُه سِنباذ- على أبي جعفر بخراسان، وكان مجوسيًّا من بعض قرى نيسابور، وكان أبو مسلم قد أحسن إليه واصطنعه، فلما قُتل خرج ثائرًا طالبًا بدمه، وتبعه خلقٌ كثير، واستولى على نيسابور وقومِس والرّي، وأخذ خزائن أبي مسلم التي كان أودَعَها بالرّي، واستعجل أمره، وقصد العراق، فبعث إليه أبو جعفر جمهور بن مزار العِجْلي في جيوش العراق، فالتقوا بين الري وهمذان، واقتتلوا قتالًا عظيمًا، فكانت الدبرة على سنباذ وأصحابه، فقُتل منهم نحو من ستين ألفًا، وسبىى جمهور نساءهم وذراريَّهم، وقُتل سنباذ بعد ذلك بين قومِس وطبرستان، وكان سنباذ من الدَّيلم، أفنى خلقًا كثيرًا، فبعث إليه أبو جعفر جمهور، فهرب إلى طبرستان، فقتله صاحبها، وأقام جمهور بخراسان، فعزله أبو جعفر عن الري، وولَّاها مُجاشع بن يزيد الضبِّيَّ (٢)، فلما قدم على جمهور بكتاب أبي جعفر قتَلَه وبعث برأسه إلى أبي جعفر، وخلع أبا جعفر، واستولى على البلاد، فبعث إليه أبو جعفر محمَّد بنَ


(١) ما بين حاصرتين من أنساب الأشراف ٣/ ١٢٣.
(٢) في أنساب الأشراف ٣/ ٢٨٠: الضبعي.