للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أبو اليقظان: أمر أبو جعفر عيسى بن موسى والأشرافَ بتلقي أبي مسلم، فخرجَ عيسى في صدر الموكب وكان صديقًا له، فتسايرَا، فقال أبو مسلم لعيسى: هل تدري ما مثلي ومثلك ومثل عبد الله بن علي ومثل المنصور؟ قال: لا. قال: كمثل ثلاثة نفر، كانوا في سفر، فأتوا على عظام نخرة، فقال أحدهم: عندي صنعةٌ (١)، إذا رأيتُ عظامًا مفرقة جمعتها، وقال الآخر: إذا رأيتُ عظامًا موصولةً كسوتُها لحمًا، وقال الآخر: إذا رأيتُ عظامًا مكسوةً لحمًا أجريت فيها الروح، ففعلوا ذلك، فإذا الذي أحيوه أسد، فقال الأسد: ما أحياني هؤلاء إلَّا وهم قادرون على أن يميتوني، فوثبَ عليهم فأكلهم، وكذا والله عمُّك معنا، والله ليقتلنِّي ويخلعك وليقتلنَّ عمَّه عبد الله بن علي.

أشار إلى نفسِه وأنَّه كان سببًا لإحياء الدولة، وأنَّ عبد الله مهدَها، وأنَّ عيسى قرَّر له الأمر.

ولمَّا دخل أبو مسلم على أبي جعفر -قال البلاذري- قام له قائمًا واعتنقَه ورحَّب به وأدناه وقال: كدتَ أن تمضي إلى خراسان قبل أن نلتقي، فأُلقي إليك ما أريد (٢)؟

وقال خليفة: ثنى له وسادةً، فجلس عليها وقال: يا أمير المؤمنين، مر بأمرك، فقال: انصرف إلى منزلك واسترح ليذهبَ عنك قال السفر، فقام وخرج.

قال أبو أيوب: فندم أبو جعفر حيث لم يقتله وشتمني وقال: متى أقدر منه على ما قدرت عليه؟ فقلت: تربَّص، فلن يفوتك.

وأقام أيامًا يتروَّى في قتله، وأبو مسلم يأتي إليه كلَّ يومٍ وهو يكرمُه وينتظر به الفرص.

وقيل: إنَّ أبا جعفر بعثَ إليه بعيسى بن موسى، فحلف له بعتقِ كلّ مملوك له وصدقةِ ما يملكه وطلاق نسائه أنَّه لا يؤذيه، وقال له عيسى: لو خُيِّر المنصورُ بين موتِ ولده وموتِك لاختار موت ولده، فإنَّه لا يجدُ منك خلفًا (٣). وهذا إنَّما قاله له قبل أن ينزل المدائن.


(١) في المنتظم ٨/ ٧: عندي طب.
(٢) أنساب الأشراف ٣/ ٢٣٢.
(٣) المنتظم ٨/ ٧.