للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا دار عاتكة التي أتعزَّلُ

وأراد بهذا: [من الكامل]

وأراكَ تفعلُ ما تقولُ وفيهم … مَذِقُ اللِّسانِ يقولُ ما لا يفعلُ (١)

فضحك المنصور وعلم أنَّهم لم يعطوه شيئًا، فأمر له بها.

وفي هذه الحجَّة استعدَى الجمَّالون على أبي جعفر إلى محمَّد بن عمران الطلحيّ قاضي المدينة، وقالوا: استأجرنا وجمالنا من الكوفة إلى ها هنا ولم يعطنا شيئًا، فقال القاضي لكاتبه: اكتب لهم ليحضرَ معهم مجلسَ الحكم فينصفَهم، فقال له: أوتعفني فإنَّه يعرف خطِّي، قال: لا أعفيك، فكتب نمير وختَمَه الطلحيُّ وقال: والله لا يذهب به سواك، قال نمير: فأخذتُه ومضيت به إلى الربيع الحاجب، فأخذَه ودخلَ به على أبي جعفر، ثمَّ خرج فقال لمن حضر من وجوه أهل المدينة والأشراف: أميرُ المؤمنين يسلِّمُ عليكم ويقول: قد دعيتُ إلى مجلس الحكم، فلا أعلمنَّ أحدًا قام إليَّ إذا خرجت، ولا يبدأني بسلام، ثمَّ خرج والمسيّبُ بين يديه، والربيع وأنا خلفه، وهو في إزارٍ ورداء، فسلَّم على الناس، فما قامَ إليه أحدٌ، فدخلَ المسجدَ فبدأ بالقبر، فسلَّم على رسول الله ، وكان الطلحيُّ متكئًا فقعد واحتبَى بردائه، وجاءَ أبو جعفر فجلس، فوالله ما كلَّمه كلمةً، ولا تحرَّك له، ودعا بالحمَّالين، فادَّعوا عليه، ولم يكن له بينة فقضَى عليه لهم، ثمَّ قام أبو جعفر ومضى، وقال للربيع: إذا قام مَنْ عنده من الخصوم فائتني به، فقال: والله ما دعا بك حتى فرغ من أمر الناس جميعًا، ثم استدعاه، فلمَّا دخل سلَّم، فردَّ عليه وقال: جزاكَ الله عن دينك وعن نبيك وعن خليفتك وعن حسبك أفضل الجزاء، قد أمرت لك بعشرةِ آلاف دينار فاقبضها. فكانت عامَّة أموال الطلحيِّ من تلك الصلة (٢).

وقال عبد الرحمن بن صالح: أنفقَ أبو جعفر في أهل المدينة في حجَّته هذه أموالًا عظيمة، أعطَى كل شريفٍ ألف دينار، وفَرَّق فيهم صحافَ الذهب والفضَّة والثياب، ولم


(١) ديوان الأحوص ص ١٥٣، ١٦١.
(٢) المنتظم ٨/ ١٨١ - ١٨٢، وانظر أخبار القضاة لوكيع ١/ ١٩٣.