للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال يعقوب بن سفيان: في سنة خمس وثلاثين ومئة عُزِل زياد عن مكَّة وحدها، ووليها العباس بن عبد الله بن معبد بن العباس (١)، وفي سنة ثمان وثلاثين نزعَه أبو جعفر عن ولايته، وولَّى محمَّد بن خالد القسري، وقيل: في هذه السنة (٢).

قال الواقديّ: دعا زياد الحارثيّ ابنَ أبي ذئب ليوليه القضاء، فامتنع، فقال: جرُّوا برجليه ابن الفاعلة، فقال له ابن أبي ذئب: عجلتَ، أأمنت أن أردَّها عليك فتسيرَ بها الركبان، والله ما تركتُها خيفةً منك ولكن تركتُها لله تعالى، فندم زياد، وبعثَ إليه بمالِ فلم يقبله.

وقال ابن عساكر: كان لزياد كلَّ يومٍ على خوانه صَحْفة فيها جدي بلبن، لا يأكل منه غيره، ويقال لها: المَضِيرة، فوضعها الطبَّاخ بين يدي أشعب، ولم يعلم زياد (٣)، فأَكلَها كلَّها، وزياد في انتظارها، فقال: يَا غلام، وأين الصَّحْفة؟! فقال: أكلها أشعب، فقال: زياد لأشعب: هنَّأك الله يَا أَبا العلاء، وكان قبل رمضان بيومين، فقال زياد: قد حضر هذا الشهر المبارك، وقد رقَّ قلبي لأهل السجن وما هم فيه من الضرر، وقد رأيتُ أن أبعثَك إليهم فتصلّي بهم الصلوات في النهار والتراويح في الليل، ففهم أشعب، وكان يحفظ القرآن، فقال: أو غير ذلك أيُّها الأمير؟ قال: وما هو؟ [قال:] أعطي الله عهدًا أن لا آكل مضيرةً بعد اليوم، فضحك زياد.

قال الزُّبير بن بكَّار: بعثَ أبو جعفر بمال إلى زياد ليفرِّقَه في مكة، فدخل أبو حمزة من ولد ربيعة بن الحارث بن عبد المطَّلب، فقال: أيُّها الأمير، بعث إليك أميرُ المُؤْمنين مالًا لتفرِّقه في القواعد والعميان واليتامى، فاكتبني في القواعد، فقال: أَنْتَ رجل، قال: فاكتبني في العميان، قال: أما هذا فنعم، قال الله تعالى: ﴿فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ﴾ الآية. [الحج: ٤٦].

فقال: واكتب ابني في الأيتام، فقال: نعم، من كنت أباه كان يتيمًا، فأخذ هو في


(١) المعرفة والتاريخ ١/ ١١٦.
(٢) انظر المعرفة والتاريخ ١/ ١٢٤، وتاريخ دمشق ٦/ ٤٨٠ (مخطوط).
(٣) في تاريخ دمشق ٦/ ٤٨٠ (مخطوط) أن زياد هو أمره أن يضعها بين يدي أشعب حتَّى أتى على ما فيها، فاستبطأ زياد المضيرة.