للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

محمدًا عنها وأعاد إليها نوفلًا، ثم عزله وولاها حميد بن قحطبة (١).

وقال ابن الكلبي: كان عمرو بن عبيد صديقًا لأبي جعفر، وكان قبلَ الخلافة إذا قدم البصرة نزل عليه، وكان عمرو إذا قدم الشَّام أو الكوفة وأبو جعفر بها نزل عليه، فزارهُ عمرو مرَّةً وعلى أبي جعفر ثوبٌ خَلَق، وبينَ يديه قصعة فيها ثريد بغير لحم، فقال أبو جعفر لغلامه: أمعك درهم تشتري به لأبي عثمان لحمًا أو تمرًا؟ فقال: لا والله، فقال عمرو: ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيفَ تَعْمَلُونَ﴾ [الأعراف: ١٢٩] فلمَّا قدم أبو جعفر البصرة وضع كتابًا على لسان محمَّد بن عبد الله بن حسن يدعوه إلى نفسه وخلع أبي جعفر، ودسَّه مع رجلٍ لا يعرف، فلمَّا جاء إلى عمرو لم يأخذ الكتاب، وقال للرسول: قل لصاحبك: دعنَا نشربُ الماء البارد، وننتقلُ في الظلِّ إلى أن نموت.

ويقال: إن محمدًا كتبَ إليه حقيقة، فلمَّا قدمَ أبو جعفر البصرة استدعى عَمرًا وأدناه وأكرمه وقال له: بلغني أن محمدًا كتبَ إليك كتابًا يدعوك إلى إمامته فأجبته، فقال: والله ما قرأته، ولقد قلت لرسوله كذا وكذا، فقال: صدقت وبررت هذا ثغرٌ قد أمناه، ولكن أثلج صدري بيمين، فقال له عمرو: لئن حلفتُ لك تقيَّةً لأكذبن تقيَّةً (٢)، قال: صدقت، وعرضَ عليه مالًا، فأبى أن يقبلَه منه.

وفيها خلع عيينة بن موسى بن كعب أَبا جعفر بالسند، وكان أبو جعفر قد جهَّزَ إليه عمر بن حفص، فحاربَه عيينة فهزمَه عمر، وغلب على السند.

وقيل: سبب عصيان عيينة أن أباه كان على شرطة أبي جعفر، وكان قد استنابَ فيها المسيَّب بن زهير، فلمَّا مات موسى خاف المسيَّب أن يبعث أبو جعفر إلى عيينة فيوليه مكان أَبيه، فكتبَ إليه المسيّب يخوِّفه القدومَ ويشير عليه بملازمة السند، ويقال: إنَّه كتب إليه بيتًا من الشعر، ولم يذكر غيره فقال:

فأرضَك أرضَك إن تأتنا … تنم نومةً ليس فيها حُلُمْ (٣)


(١) تاريخ الطبري ٧/ ٥١٤، والمنتظم ٨/ ٣٧، والكامل ٥/ ٥١٠ - ٥١١.
(٢) في أنساب الأشراف ٣/ ٢٦٦: لئن كذبتُ تقية لأستجيزن أن أحلف لك تقية.
(٣) تاريخ الطبري ٧/ ٥١٢، والكامل ٥/ ٥٠٩.