أصبح آلُ الرَّسول أحمدَ في النا … سِ كذي عُرَّةٍ به جَرَبُ
بُؤسًا لهم ما جَنَتْ أكفُّهُمُ … وأيَّ حَبلٍ من نَسْلِه قَضَبوا (١)
ولما نزلوا الكوفة حبسهم في سِرداب، وضَيَّق عليهم حتَّى ماتوا عن آخرهم.
ولما قدم المنصور الكوفة صَعِد المنبر فخطب وقال: يَا أهل خُراسان، أنتم شيعتُنا وأنصارُنا وأهلُ دعوتنا، إن علي بن أبي طالب حَكَّم الحكمين، فافترقت عليه الأمة، واختلفت عليه الكلمة، ثم وثب عليه شيعتُه وأصحابُه وثقاتُه وأنصاره فخذلوه وقتلوه، ثم قام من بعده ولدُه الحسن، فوالله ما كان فيها برجل، عُرضت عليه أعراضُ الدنيا كلها، ودسَّ إليه معاوية: إنِّي أجعلك وليَّ عهدي من بعدي، فخدعه، فانسلخ منها، وسلَّمها إليه، وأقبل على النساء يتزوَّج كلَّ يوم امرأة ويطلِّقُها من الغد، فلم يزل كذلك حتَّى مات، ثم قام من بعده أخوه الحُسين، فخدعه أهلُ هذه المَدَرَةِ السَّوداء -وأشار إلى الكوفة- أهل النِّفاق والشِّقاق ومساوئ الأخلاق، والله ما هي بحَربٍ فأحاربها، ولا بسِلْمٍ فأسالمها، فرَّق الله بيني وبينها، وزادها بُعدًا وسُحقًا، فأسلموه وخذلوه حتَّى قتلوه، ثم قام من بعده زيد بن عليّ، فغَرُّوه حتَّى أسلموه، ولقد ناشده أبي محمدُ بنُ علي ألا يفعل، وألا يقبل خِداع أهل هذه المَدَرَةِ السَّوداء، وقال له: إنَّا لنجد في بعض الكُتب أن بعضَ أهلنا يُصلَب بالكوفة، فاحذر أن تكون ذلك، فلم يقبل، وقال له: عمِّي داود: لا تثق بهم؛ فإنهم غُدُرٌ فُجُر، فلم يقبل، حتَّى صُلب بالكُناسة ثم أُحرق.
ووثب علينا بنو أمية، فأماتوا شَرَفنا، وأذهبوا عِزَّنا، لا والله ما كان لهم عندنا تِرةٌ يطلبونها، ولا مَأثُرةٌ يَرومونها فنَفَونا من البلاد، وشَرَّدونا في كل واد، فتارةً بالحجاز، وتارة باليمن، ومرةً بالعراق، ومرةً بالشَّراة، حتَّى أقامكم الله لنا شيعة وأنصارًا، وأحيا بكم شَرَفنا، وأعزَّ ديننا، ودفع بكم الباطلَ عنا، وأظهر حقَّنا، وأصار إلينا أمرَنا وميراثنا من نبينا ﷺ، فقَرَّ الحقُّ مَقَرَّه، وأعزَّ الله أنصارَه، وقُطع دابرُ القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين.
فلما استقرَّ الأمرُ فينا وثب علينا هؤلاء الظَّلَمة؛ بغيًا وحسدًا منهم لنا، ثم أنشد: