للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صفراء، وغيَّر لَأمته، وإذا به حُميد بن قَحطبة، ورجع معه مَن كان قد انهزم، وخالطوا عسكر إبراهيم، واقتتلوا قتالًا شديدًا؛ حتَّى قتل الفريقان بعضهم في بعض، وجاء إبراهيم سهم عائر لا يُدرى مَن رمى [به] فوقع في حلقه فنحره، فتنحَّى عن موقفه وقال: أنزلوني، فأنزلوه وهو يقول: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ [الأحزاب: ٣٨] أردنا أمرًا وأراد الله غيره.

ثم جعل أصحابه يقاتلون دونه ويحمونه، ورأى حُميد اجتماعهم فأنكره، فقال لأصحابه: شدوا على تلك الحال على الجماعة، فشَدُّوا عليهم حتَّى أفرجوهم عن إبراهيم، ونزلوا فحَزُّوا رأسه وأتوا به عيسى بن موسى، فنزل وسجد، وبعث به إلى أبي جعفر.

وكان قتله يوم الاثنين لخمس ليال بقين من ذي القعدة وهو ابن ثمان وأربعين سنة، ومكث منذ خرج إلى أن قُتل ثلاثة أشهر إلَّا خمسة أيام، هذا قول ابن سعد (١).

وقال الطبري: لما أُهبط آدم من الجنة صَعِد على أبي قُبَيس، فوضع الله له الأرض حتَّى رأى جميع ما فيها، وقال الله له: هذه كلها لك، قال: يَا رب، كيف أعلم ما فيها؟ فقال: إذا رأيت نجم كذا كان كذا، فكان يعلم ذلك بالنجوم.

ثم أنزل الله عليه مرآة يرى بها ما في الأرض، فلما مات آدم ﵇ أخذها فقطس الشيطان، فكسرها، وبنى عليها مدينة جابرت بالشرق، فلما كان سليمان ﵇ استدعى فقطس وطلبها منه، فأخرب جابرت وأتاه بها، فكان ينظر فيها فيرى ما في أقطار الأرض، حتَّى مات سليمان، فوثب بعض الشياطين عليها فذهب بها، وبقيت منها بقية، فتوارثها بنو إسرائيل، حتَّى صارت إلى رأس الجالوت، فأُتي بها إلى مروان بن محمَّد، فكان يحكّها ويجعلها على مرآة أخرى، فيرى فيها ما يكره، فرمى بها وضرب عنق رأس الجالوت، ودفعها إلى جارية له، فجعلتها في كُرسفة في حَجَر.

فلما ولي أبو جعفر الأمر سأل عنها، فأُحضرت إليه، فكان يحكُّها ويجعلها على مرآة أخرى فيرى ما فيها، ويرى عدوَّه من صديقه، فكتب إلى رياح بن عثمان: إن


(١) طبقاته ٧/ ٥٤٠، وما بين معكوفين منه.