النَّاس، وأتى قائدًا فلجأ إليه، ولجَّ أبو جعفر في طلبه.
وكان مع إبراهيم رجل يقال له: سفيان العَمِّي، فاحتال في إخراجه، ومضى إلى البصرة، وغلب عليها، وأخذ عاملها سفيان بن معاوية فحبسه، ووجد في بيت مالها ست مئة أَلْف ففرَّقها، وعزم على قصد الكوفة.
وبلغ أَبا جعفر، فكتب إلى عيسى بن موسى وهو بالمدينة: إذا قرأت كتابي هذا فدع ما أَنْتَ فيه واقدم عاجلًا، ولم يكن عند أبي جعفر سوى ألفي رجل، وكانت عساكره متفرقة مع المهدي بالري ثلاثون ألفًا، وبإفريقية أربعون ألفًا، فكتب إلى سَلْم بن قتيبة فقدم عليه من الرّيّ، فاستعمله على ميسرة عيسى وقال: لا يَهولنَّك جمعُ إبراهيم؛ فوالله إن ابني عبد الله لجملا بني هاشم المقتولان جميعًا. وأقام على الميمنة حُميد بن قَحطبة.
وقال السندي بن شاهك: لما استفحل أمر إبراهيم أقام المنصور نيفًا وخمسين ليلة في مُصلّاه، ينام عليه ويقعد عليه، وعليه جُبَّة صوف قد اتَّسخ جَيبُها، فما غيَّرها، وهجر اللذات والنساء، وأُهديت إليه في تلك الأيام امرأتان إحداهما فاطمة بنت محمَّد بن عيسى بن طلحة بن عبيد الله، والأخرى أمة الكريم بنت عبد الله من ولد خالد بن أَسيد بن أبي العِيص، فلم يلتفت إليهما ولا رآهما، قيل له في ذلك فقال: ليست هذه الأيام من أيام النساء حتَّى أعلم رأس إبراهيم لي أو رأسي له.
وكان جعفر ومحمَّد ابنا سليمان بن علي قد أخرجهما إبراهيم من البصرة، فكتبا إلى أبي جعفر يخبراه بخبر إبراهيم، فبعث إليهما خيلًا، وأمرهم أن يقيموا معهم، وكتب إليهما يُوبِّخُهما، ويُعجِّزهما في خروج إبراهيم، وكتب في أسفل كتابه:[من البسيط]
بلِّغ بني هاشمٍ عني مُغَلْغَلَةً … فاستيقظوا إن هذا فِعلُ نُوَّامِ
تعدو الذئابُ على مَن لا كلابَ له … وتتَّقي مَرْبِضَ المستيقظ الحامي
وقال الحجاج بن قتيبة بن مسلم: دخلت على أبي جعفر وقد جاءه فَتْقُ البصرة وفارس والأهواز، وهو يَنكت الأرض ويتمثل:[من الكامل]
ونَصبتُ نفسي للرِّماح دَريئةً … إن الرئيس لمثل ذاك فَعولُ
فقلت: يَا أمير المُؤْمنين، أَنْتَ على عدوك كما قال الأَعمش:[من المتقارب]