للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما حج أبو جعفر أخرج عبد الصّمد سُديفًا من الحرم فقتله، ولقي أبا جعفر عمُّه عبد الصمد في الطريق، فسلَّم عليه فلم يردَّ عليه انسلام، بل قال: ما فعلتَ في أمر سُدَيف؟ قال: قتلتُه، فقال: وعليك السلام يا عمّ، يا غلام، قف فوقف، فأمر عبد الصمد فعادله.

وقيل: إن سُديف طلب من عبد الصّمد أمانًا، فأعطاه على أول لا يبعث من المدينة (١)، واستحلفه على ذلك، فلما قدم أبو جعفر المدينة قيل له: قد رأينا سُدَيفًا، فقال: على به، فجُعل في جُوالِق، وخيط محليه، وضرب بالخشب حتى مات، ورمي به في بئر. وقيل: كان به رَمَق فمات.

ولما خرج محمد بالمدينة وإبراهيم بالبصرة قال سُديف: [من البسيط]

إن الحمامةَ يوم الشّعب من حَضَنٍ … هاجتْ فؤادَ محبٍّ دائم الحزَنِ

إنا لنأمُلُ أن ترتدَّ أُلفتُنا … بعد التَّباغضِ والشَّحناءِ والإحَنِ

وتنقضي دولةٌ أحكامُ قادَتنا … فيها كأحكام قومٍ عابدي وَثَنِ

فانهض ببيعتكم بطاعتنا إن … الخلافة فيكم يا بني حَسَنِ

ألستَ أكرمَهم قومًا إذا انتسبوا … عودًا وألْقاهُمُ ثَوبًا من الدَّرَنِ

وأعظمَ الناس عند الله منزلةً … وأبعدَ الناس من عجزٍ ومن أفنِ (٢)

وقد اختلفوا في وفاته؛ فحكينا أن عبد الصّمد قتله بأمر أبي جعفر، وقيل: إنه لما بلغه هجاؤه كتب إلى عمه عبد الصمد فدفنه حيًّا.

وقيل: بعث المنصور خزيمة بن خازم -أو خازم بن خزيمة- مُتنكِّرًا، وقال له: عند السارية الفلانية شيخ آدم طوال يُكثر التلفُّت، فاجلس إليه، وأظهر الميل إلى آل أبي طالب، ثم قل له بعد أيام: مَن القائل:

أسرفتَ في قتل البرية عامدًا؟

فقدم خازم المدينة، وجلس إلى الشيخ الموصوف، وأظهر له الميل إلى الطَّالبيين،


(١) في أنساب الأشراف ٣/ ٢٥٤، وتاريخ دمشق ٧/ ٧٢: فأمّنه وأحلفه ألا يبرح من المدينة.
(٢) العقد الفريد ٥/ ٨٧ - ٨٨.