عيسى بن موسى إلى أبي جعفر يخبره بخبر ابن أبي سبرة، فأمره أن يقيِّده ويحبسه، ففعل، وقُتل عيسى وهو في الحبس.
وقيل: إن كثير بن حُصَين الذي استخلفه عيسى على المدينة ضربه سبعين سَوطًا وقيَّده، وقدم عبد الله بن الربيع الحارثي المدينة من قِبل أبي جعفر يوم السبت لخمس بقين من شوال، وكان معه جند، فأفسدوا وعاثوا فيها، فوثب عليهم سودان المدينة والرَّعاع، وقتلوا جندَه، وانتهبوا رحلَه، وخرج الحارثي من المدينة هاربًا، فنزل ببئر المُطَّلب على خمسة أميال من المدينة يريد العراق، وكسر السُّودان باب الحبس، وأخرجوا ابن أبي رُهْم (١)، وكسروا قيدَه، وحملوه حتى وضعوه على المنبر، فحذ على طاعة أبي جعفر، ونهى عن مخالفته، فقيل: صلِّ بالناس، فقال: أنا أسير والأسير لا يَؤم، ورجع إلى محبسه.
وبلغ أبا جعفر فعلُ أبي بكر بن أبي سَبْرة بن أبي رُهْم القرشي، فولَّى على المدينة جعفر بن سليمان، وقال له: إن بيننا وبين أبي بكر بن أبي سَبْرة رَحِمًا، وقد آسى وأحسن، فإذا قدمتَ المدينة فأطلقه وأحسن جِواره، فلما وصل جعفر أطلقه.
وكان مَعْن بن زائدة عاملَ أبي جعفر على اليمن، فسأل أبو بكر بن أبي سَبْرة جعفرًا والي المدينة أن يكتب له كتاب وصية إلى معن، فكتب له، فلقي الرَّابحيَّ الشاعر، فقال له أبو بكر: هل لك أن تخرج معي إلى اليمن؟ فقال: اكفني أمر عائلتي، فأمر لهم بما يصلحهم، ثم خرج معه فقدما على مَعْن، فلما قرأ كتاب جعفر قال له: جعفر أقدر على صِلَتِك مني فلا شيء لك عندي، فانصرف مغمومًا، فلما انتصف النهار دعاه معن وقال له: ما الذي حملك على القدوم عليَّ وأمير المؤمنين عليك واجد؟ فقال: قد زال ما عنده وأوصى بي جعفرًا، قال: كم عليك دين؟ قال: أربعة آلاف دينار، فأعطاه ستة آلاف دينار وقال: اقض دينك وأصلح بألفين حالك، فجاء إلى منزله، وأخبر الرَّابِحيّ فجاء إلى معن فأنشده:[من الكامل]
(١) هو أبو بكر بن عبد الله بن محمد بن أبي سَبْرة بن أبي رُهْم.