للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد جعفر بالشراة من أرض البلقاء، ونشأ بها عند أهله، وخرجَ معهم منها إلى الكوفة لَمَّا تولَّى أبو العباس الخلافة، وكان مع أبيه سليمان بالبصرة.

قال الأصمعي: ما رأيتُ أشرفَ نفسًا من جعفر، ولا أكرم أخلاقًا.

ركبَ يوم جمعة إلى الجامع ومعه جماعةٌ من الموالي، فمر بأبي سعيد الضبعي، وكان لجعفر جارية تسمى الخيزران يحبُّها، فناداه الضبعي: يا جعفر، أتحبُّ الخيزران، قال: نعم، فقال الضبعي: [من البسيط]

نبئتُها عشقَتْ حشًّا فقلتُ لها … ما يعشق الحَشَّ إلَّا كلُّ كنَّاسِ

فضرب جعفر وجه دابته، ومضى مسرعًا حياءً من الناس (١).

وركبَ يومًا في مواليه وحشمه وفُهوده وسُقوره (٢)، فناداه رجل: يا جعفر، انظر أيَّ رجلٍ تكون غدًا إذا وقفت بين يدي الله، وقد خرجتَ من قبرك وحيدًا، ولا ينفعكَ هذا الجمع، ولا يغني عنك من الله شيئًا؟ وليسألنَّكَ اللهُ وحدَك، وأنتَ قائمٌ بين يديه وحدَك، فبكى جعفر، ورجعَ من نزهته إلى داره حزينًا كئيبًا.

قال المصنف : ولم أقف على تاريخِ وفاة جعفر، إلَّا أنَّ ابن عساكر قال: كان حيًّا إلى سنة أربع وأربعين ومئة (٣).

وفيها عزل أبو جعفر عن البصرة سلم بن قتيبة، وسببُه أنه كتب إليه يقول: اهدم دورَ من خرج مع إبراهيم، واعقر نخيلَهم، فرقَّ عليهم، وكتبَ إليه يسألُه فيهم، فكتب إليه: افعل ما تؤمر، فكتب إليه سلم: بأيِّ ذلك أبدأ، بالدور أم بالنخل؟ فغضبَ أبو جعفر وكتب إليه: لو كتبت إليك آمرك بإفساد تمرهم لكتبت: بماذا أبدأ بالبرنيّ أم بالشهريز؟ فعزلَه وولى محمد بن سليمان، فعاث في البصرة.

وكانت ولاية سلم عليها شهورًا، وهدم محمدٌ دورًا كثيرة، وحرقَ نخلًا، من ذلك


(١) انظر عقلاء المجانين ص ٩٢.
(٢) السقر: الصقر. انظر القاموس (سقر).
(٣) كذا، وفي مختصر تاريخ دمشق ٦/ ٦٢: سنة أربع وسبعين ومئة.