للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فحينئذٍ نظرَ أبو حنيفة وتكلَّم (١). وفي رواية: هذا رجلٌ يحيي سنَّةَ رسول الله ﷺ.

وروي أنَّ الشافعيَّ ولد في السنة التي مات فيها أبو حنيفة.

وروى القاضي أبو حازم عن وكيع بن الجرَّاح قال: كنَّا عند أبي حنيفة، فجاءته امرأةٌ فقالت: يا أبا حنيفة مات أخي وترك ستَّ مئة دينار، فأعطوني دينَارًا واحدًا، فأطرقَ، ثمَّ رفعَ رأسه وقال: خلَّف أخوك بنتين وأمًّا وزوجة واثني عشر أخًا وأنت؟ قالت: نعم، قال: للبنتين الثلثان أربع مئة، وللأم السدس مئة دينار، وللمرأة الثمن خمس وسبعون دينارًا، بقي خمسةٌ وعشرون؛ للإخوة أربعة وعشرين، لكلِّ واحدٍ ديناران، بقي لك دينارٌ واحد (٢).

وقال محمد بن الحسن: دخلَ اللصوصُ دارَ رجلٍ، فأخذوا متاعَه، وأحلفوه بالطلاق ثلاثًا أنَّه لا يتكلَّم، وأصبح الرجل، فرأى قماشه في السوق يباع، وهو لا يقدرُ على الكلام، فجاء إلى أبي حنيفة، وأشار إليه أدنى إشارة، ففهم، فجمعَ أبو حنيفة أربابَ التُّهم في المسجد، وقال للرجل: اقعد على باب المسجد، وجعل يُخرِجُ واحدًا واحدًا، ويقول: هذا الذي أخذَ قماشك، فإن كان غيرَه أخذ، قال: لا، وإن كان أخذ سكت، فردُّوا عليه جميعَ ما أخذ منه.

فصل في وفاته:

حكى الخطيب عن الواقديِّ قال: أشخصَ أبو جعفر المنصور أبا حنيفة من الكوفة إلى بغداد (٣)، وعَرضَ عليه القضاء فامتنع، فحبسَهُ فأقام في حبسِه خمسة عشر يومًا، وماتَ فدُفنَ في مقابر الخيزران سنة خمسينَ ومئة، وعمرُه سبعون سنة.

وحكى الخطيبُ أيضًا عن الصيمريِّ أنه سمَّ في سويق، فامتنع من شربه، فقال: لتشربنَّه مُكرهًا، فشربه، ثم قام مبادرًا، فقال له أبو جعفر: إلى أين؟ قال: إلى حيثُ بعثتَ بي! فمضوا به إلى السجن، فمات وهو ساجد (٤).


(١) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٥٩.
(٢) جا ءفي هامش (خ) ما نصه: روي هذا عن علي ﵁.
(٣) تاريخ بغداد ١٥/ ٤٥٢.
(٤) انظر أخبار أبي حنيفة للصيمري ص ٨٧.