رَجع قالت له امرأتُه: كم من امرأة حسناء نظرت إليها اليوم؟ فلم يجبها، فألحَّت عليه، قال: ويحك! والله ما نظرت إلا في إبهامي منذ خرجت من عندك حتى وجعت إليك.
وروى ابن أبي الدنيا أنَّ غلامًا لحسان بن أبي سنان كتب إليه من الأهواز: إنَّ قصب السكر أصابته آفةٌ، فاشتر السكَّر فيما قبلك، فاشتراه من رجل، فلم يأت إلَّا القليل فإذا مِمَّا ربح ثلاثون ألفًا، قال: فأتى صاحبَ السكَّر فقال له: يا هذا، إنَّ غلامي كان كتب إليَّ ولم أعلمك بكذا وكذا، فأقلني، فقالط الرجل: قد علمتُ الآن وطيبتُه، فقالط: لم آت الأمر من وجهه (١)، أقلني، فما زال به حتى أقاله، وردَّ عليه ماله.
وروى ابن أبي الدنيا عن أبي يحيى الزرَّاد قال: كان حسان يتمثل كثيرًا: [من البسيط]
لا صحَّةُ المرء في الدنيا تؤخِّرُه … ولا يقدم يومًا موته الوجَعُ
قال: وكان يدخلُ مع امرأته في الفراش، ثمَّ يخادعها ويخرج فيصلِّي إلى الصباح، قال: وكان يبكي حتى يبلَّ ما بين يديه، ولا يُسمَع له صوت.
قال ابن أبي الدنيا أيضًا: ومرَّ حسان بغرفة فقال: متى بنيت هذه؟ ثم أقبلَ على نفسه فقال: تسألين عما لا يعنيك؟! لأعاقبنَّك بصوم سنة، فصامها.
قال: وكان يقول: لولا المساكين لما اتّجرتُ، وكان يأخذ الربحَ فيخرجُ منه قوتَ عياله، ويتصدَّق بالباقي.
ذكر وفاته:
حدثنا عبد الوهاب بن علي الصوفي بإسناده عن يحيى بن بسطام التميميّ جارِ حسان قال: كان حسان يصوم الدهرَ، ويفطر على قرص، ويتسحَّر بآخر، فنحل وسقم جسمه، حتى صار كهيئة الخيال، فلمّا مات وأدخل مغتسله لغسله، كشف الثوب عنه، فإذا هو كهيئة الخيط الأسود، وأصحابه يبكون حوله فسمعوا قائلًا يقول من ناحية البيت:[من الوافر]
تجوَّعَ للإله لكي يراهُ … نحيلَ الجسم من طولِ الصيامِ
(١) في (خ): لم أت الأمر إلَّا من وجهه، والمثبت من الحلية ٣/ ١١٨، وصفة الصفوة ٣/ ٣٣٧.