للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونجا معن؛ لأنَّه كان عند أبي العباس بالهاشمية.

ذكر طرف من أخباره:

قال الهيثم بن عدي: كان أبو جعفر قد ولاه الولايات، فنُقِل إليه أنه احتجز الأموال، فغضب عليه وتهدده إلى يوم الهاشمية، فلمَّا فدى المنصورَ بنفسه وقاتلَ بين يديه تقدَّم عنده تقدُّمًا عظيمًا، فولَّاه اليمن، فأعطَى عطايا لم يعطها أحدٌ غيره؛ أتاهُ أعرابيٌّ فأنشدَه أبياتًا من الشعر، فأعطاه مئة ألف درهم.

وقال المدائني: دخلَ عليه أبو جعفر (١) يومًا ومعن يقاربُ في الخُطا فقال: يا معن كَبُر سنُّك، فقال: يا أمير المؤمنين في طاعتك، قال: وإنَّك لتتجلَّد، فقال: على أعدائك، فقال: إنَّ فيك لبقية، قال: هي لك.

قال: ودخلَ عليه يومًا، فنظرَ إليه أبو جعفر، ففكَّر واحمرَّ وجهُه وقال: لست أنسى لك يوم واسط مع ابن هبيرة، وهمَّ أن يضربَه بعمود، فقال: يا أمير المؤمنين، ذاك نصري لباطلهم، فكيف بحقِّك؟ فقال له: أحسنت، وولَّاه سجستان.

ورَوى مروان بن أبي حفصة قال: كان المنصورُ قد طلبَ معن بن زائدة طلبًا شديدًا، وجعل فيه مالًا، قال: فحدثني معن باليمن أنَّه اضطُّر لشدَّة الطلب، قال: وكنت ببغداد فوقفت في الشمس حتى لوَّحَتْ وجهي، وخَفَّفتُ عارضَي لحيتي، ولبستُ جبَّة صوف خشنة، وركبت جملًا في زيِّ الأعراب، وتنكرت، وخرجت من بغداد أريدُ البادية، فلمَّا صرت بباب حرب تبعني أسودٌ متقلِّدٌ سيفًا، حتى إذا غبت عن الحرس قبضَ على خطام الجمل فأناخه وقبضَ عليَّ، فقلت: ما لك؟ فقال: أنت طَلِبَةُ أميرِ المؤمنين، فقلت: ومن أنا حتى يطلبني أمير المؤمنين؟ فقال: أنت معنُ بن زائدة، فقلت له: يا هذا اتَّق الله (٢)، فقال: دع عنك هذا، فأنا والله أعرفُ بك من نفسك، قال: فقلت: فإن كنتُ كما تقول فهذا جوهرٌ له قيمة، حملتُه معي بأضعاف ما بذل المنصور في طلبي لمن جاء بي، فخذه ولا تسفك دمي، فقال: هاته، فأخرجتُه إليه، فنظر فيه ساعةً، فتحيَّر، قال: صدقت في قيمته، ولست قابله حتى أسألك عن شيء، فإن صدقتَني أطلقتك، قلت: قل، قال: فإنَّ الناسَ قد وصفوك بالجود، فأخبرني هل وهبتَ قطُّ


(١) كذا في (خ). والصواب -كما في تاريخ بغداد ١٥/ ٣١٧ - : دخل على أبي جعفر.
(٢) في الأغاني ١٠/ ٨٤، والفرج بعد الشدة ٤/ ٥٢، ووفيات الأعيان ٥/ ٢٤٥: اتق الله، وأين أنا من معن.