للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الآخرة، فأصبتُه في حرفين؛ قوله تعالى: ﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيرٌ وَأَبْقَى﴾ الآية [الشورى: ٣٦] (١).

وقال حاتم: سمعتُه يقول: قرأتُ أربعةً وعشرينَ كتابًا في التوحيد، فوجدتُ معانيها كلَّها في قوله تعالى: ﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا﴾ الآية [الأنبياء: ٢٢].

وقال: الزاهد الذي يقيم زُهْدَهُ بلسانه.

وقال: طهِّر قلبَك من حبِّ الدنيا؛ ليدخلَ فيه حبُّ الآخرة.

وقال: جعلَ الله أهلَ طاعتِه أحياءً في مماتهم، وأهلَ معصيته أمواتًا في حياتهم.

وقال حاتم: قدمَ شقيقٌ الكوفة حاجًّا، فلقيه سفيان الثوريّ، فقال له: أنت شقيق الذي تدعو إلى التوكل وتنهى عن المكاسب؟ فقال شقيق: ما قلت كذا. قال: فكيف قلت؟ قال: قلت: حلالٌ بيِّن، وحرامٌ بيِّن، ومتشابهٌ فيما بين ذلك، ولكن دخلت الآفةُ من الخاصَّة على العامَّة، وهي خمس طبقات؛ العلماءُ، والزهَّادُ، والغزاة، والتجَّارُ، والملوك.

فأمَّا العلماءُ فهم ورثة الأنبياء، لم يرثُوا دينارًا ولا درهمًا، وإنَّما ورثوا العلمَ، فإذا كان العالمُ طامعًا، فالجاهل بمن يقتدي؟

وأمَّا الزُّهَّاد فهم ملوكُ الدنيا، فإذا أصبحَ الزَّاهدُ راغبًا، فالراغب بمن يقتدي؟

وأمَّا الغزاةُ فجندٌ من جنود الله في أرضه، وإذا كان الغازي يحبُّ التصدُّر في المجالس والراحة، فمن يغزو؟

وأمَّا التجَّار فهم أمناء الله في أرضه، فإذا كان التاجرُ خائنًا فبمن يقتدي الأمين (٢)؟

وأمَّا الملوك فهم الرُّعاة، وإذا كان الراعي هو الذئب، فالذئب كلُّ ما يجده يأكله.

يا سفيان، لا تجمعن (٣) للدنيا إلَّا على مقامك فيها، فسلَّمَ عليه سفيانُ ومضى.

وقال: الفقرُ تقارنُه ثلاثه أشياء؛ فراغُ القلب، وراحةُ النفس، وخفَّة الحساب،


(١) مناقب الأبرار ١/ ١٨٠.
(٢) مناقب الأبرار ١/ ١٨٥: الخائن.
(٣) في (خ): لا تخمص. والمثبت من مناقب الأبرار ١/ ١٨٥، وتهذيب تاريخ دمشق ٦/ ٣٣٣. وانظر تاريخ دمشق ٨/ ٩٩ (مخطوط).