للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأمُّه عائشة بنت عبد الرحمن بن ربيعة من بني حنيفة، وقال أبو عبيد (١): كان أبو عمرو صدوقًا، صحيحَ السماع، عالمًا بفنون العلوم، عارفًا بالقرآن، وكان قد كتب عند العرب الفصحاء ما ملأ به بيتًا، فاحترقَ البيت، فرجع إلى ما كان في حفظه وخاطره.

وذكره الخطيب وأثنى عليه وقال: دخل عليه رجل من أصحابه، وأبو عمرو مريضٌ، فقال له الرجل: إنِّي أريدُ أن أساهرَك الليلة، قال له: أنتَ معافى، وأنا مريض أو مبتلى، فالعافيةُ تمنعُك أن تسهر، والمرضُ لا يدعني أنام، فأسأل الله لكَ دوام العافية، ولي عظيمَ الأجر.

قال: ومن كلام أبي عمرو: من سألَ الناس حاجةً، فقد عرَّضَ نفسَه للرقِّ، فإن قضاها المسؤول استعبَده، وإن ردَّه ولم يقضها رجعَ كلاهما ذليلان؛ هذا بذلِّ السؤال وهذا بذلِّ الردّ.

وقال: رأيتُ أعرابيًّا وأنفُه كأنَّه كوزٌ من عظمه، فضحكتُ منه، فقال: ما لك؟ والله لقد كُنْتُ في قوم ما كانوا يسمونَني إلَّا الأفطس.

قال: وسمع أعرابيًّا مناديًا ينادي على غلَامٍ: من يشتريه بعيبه؟ قال: وما عيبُه؟ قال: يبولُ في الفراش، فقال: إنْ وجد فراشًا يبولُ فيه.

وقال الأصمعي: حدثني أبو عمرو بن العلاء قال: بينما أنا أمشي في شدَّة الحرّ، سمعتُ قائلًا يقول: [من الطويل]

وإنَّ امرأ دُنياهُ أكبر همِّه … لمتمسكٌ منها بحبلِ غرورِ

قال: فقلت: أجنيٌّ أم إنسيّ؟ فقال: بل جنيٌّ، فنقشته على خاتمي.

وقال الأصمعي: قال لي أبو عمرو: يا عبد الملك، كن على حذرٍ من الكريم إذا أهنتَه، ومن النئيمِ إذا أكرمتَه، ومن العاقل إذا أحرجته، ومن الأحمق إذا ما جنته (٢)، ومن الفاجر إذا عاشرتَه، وليس من الأدب أن تجيب من لا يسألُك، ولا تسأل من لا يجيبُك، أو تحدِّث من لا يُنصِتُ إليك.


(١) كذا في (خ). ولعله أبو عبيدة. انظر معرفة القراء ١/ ٢٣٥.
(٢) في تهذيب الكمال ٣٤/ ١٢٨، وسير أعلام النبلاء ٦/ ٤٠٩: مازحته.