للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ضجيجَ القرآن، فوقفت أرعد، فإذا بقائل يقول: لا بأسَ عليك، اقرأ وارقَ (١)، فرقيت، فقيل لي: اقرأ سورةَ الأنعام، فقرأت -وأنا لا أدري على من أقرأ- حتَّى بلغتُ الستين آيةً، فلما بلغتُ: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ﴾ قال لي: يا حمزة، ألستُ القاهرَ فوق عبادي؟ قلت: بلى، قال: صدقت، اقرأ، فقرأت حتَّى أتممتها، ثم قال لي: اقرأ فقرأتُ الأعراف حتَّى بلغت آخرها، فأومأتُ إلى الأرض بالسجود، فقال لي: حسبك ما مضى، لا تسجد يا حمزة، من أقرأك هذه القراءة؟ قلت: سليمان، قال: صدق سليمان، من أقرأ سليمان؟ قلت يحيى، قال: صدق يحيى، من أقرأ يحيى؟ قلت: أبو عبد الرحمن السلمي، قال: صدق أبو عبد الرحمن السلمي، من أقرأ أبا عبد الرحمن؟ قلت: ابن عم نبيك عليّ، قال: صدق علي، فمن أقرأ عليُّا؟ قلت نبيُّك محمدٌ ، فقال: ومن أقرأ نبيِّي؟ قلت؟ جبريل، قال: صدق جبريل، ومن أقرأ جبريل؟ قال حمزة: فسكت، فقال لي: يا حمزة قل: أنت، قلت: ما أتجاسرُ أن أقول: أنت، فقال: قل: أنت، فقلت: أنت، فقال: صدقتَ يا حمزة، وحقِّ القرآن لأكرمنَّ أهلَ القرآن لا سيما إذا عملوا بالقرآن، يا حمزة، القرآنُ كلامي، وما أحبُّ أحدًا كحبِّي أهلَ القرآن، ادن يا حمزة، فدنوتُ فضمخني بالغالية وقال: ليس أفعل بك وحدك هذا، قد فعلتُ ذلك بنظرائك من فوقك، ومن دونك، ومن أقرأَ القرآن كما أقرأته لم يردْ بذلك غيري، وما خبأتُ لك عندي أكثر، فأعْلِم أصحابك بحبِّي لأهل القرآن وفعلي بهم، فهم المطيعون (٢) الأخيار، وعزَّتي وجلالي، لا أعذبُ لسانًا تلا القرآن بالنار، ولا قلبًا وعاه، ولا أذنًا سمعتهُ، ولا عينًا نظرت إليه، فقلت: سبحانك سبحانك. ثم انتبهت، أفتلومني أن أبكي وأتمرَّغَ في التراب؟!

وقال جرير بن عبد الحميد: مرَّ بنا حمزةُ فاستسقى بماء، فأتيتُه بماء، فقال: أنت ممن يحضرنا في القراءة؟ قلت: نعم، قال: لا حاجة لي في مائك.


(١) بعدها في المنتظم ٨/ ١٨٩، وتهذيب الكمال ٧/ ٣١٩: فأدرتُ وجهي فإذا أنا بمنبرٍ من درٍّ أبيض، دفتاه من ياقوت أصفر، مراقيه زبرجد أخضر، فقيل لي: ارق واقرأ، فرقيت.
(٢) في المنتظم ٨/ ١٩٠، وتهذيب الكمال ٧/ ٣٢٠: المصطفون.