للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طلبه، فقال: أحسبُه صارَ في أيديهم ضفدعًا، قال: فحانت منِّي التفاتةٌ، وإذا بدنُه ناحيةً ورأسُه ناحية، قال: فلم انظروا إليه خافوا من السُّلطان، فرجعوا، فقال لي الرأس: أَرَجعوا؟ قلت: نعم، قال: فالتأمَ الرأسُ إلى البدن، فقلت: والله لا أرافقُك أبدًا، ففارقتُه ومضيتُ إلى حال سبيلي (١).

حكايةٌ أخرى حكاها الحافظ ابن عساكر عن ابن المبارك (٢) قال: قدمتُ الشام، فأتيتُ الأوزاعيَّ ببيروت، فقال لي: يا خراسانيّ، من هذا الَّذي خرج بالكوفة؟ يعني أبا حنيفة، فقلت: رجلٌ فقيهٌ يقال له أبو حنيفة، فقال: أنهاك عنه، قال: فرجعتُ إلى منزلي، فاستخرجتُ من كتابي مسائل وقعت عليها النعمانَ بن ثابت، ثم أتيتُه وهو يؤذِّنُ للصلاة، فناولتُه، فما زال قائمًا حتَّى قرأَ صدرًا منها، ثم وضعَها في كُمِّه، وأقام الصلاة، ثمَّ تقدَّم فصلَّى، وكان هو الإمام والمؤذِّن، فلما فرغَ من الصلاة نظر في المسائل حتَّى أتى على آخرها، وقال: يا خراسانيّ، من النعمان بن ثابت؟ فقلت: شيخٌ لقيتُه بالعراق، فقال: هذا شيخٌ جليلٌ نبيلٌ من المشايخ، فاذهب إليه واستكثر منه، فقلت: هذا أبو حنيفة الَّذي نهيتَ عنه، فقال: الزمه، فلنعمَ الشيخ هذا، فلنعم الشيخُ هذا.

حكايتُه مع الزاهد:

حدَّثنا عبد العزيز بن محمود البزاز بإسناده عن الوليد بن مسلم، عن الأوزاعيِّ قال: حدثني بعضُ الحكماء قال: خرجتُ أريدُ الرِّباط، حتَّى إذا كُنْتُ بعريش مصر أو دونه، وإذا بمظلَّةٍ (٣) فيها رجلٌ قد ذهبت عيناه ويداه ورجلاه، وهو يقول: اللَّهمَّ إني أحمدكَ حمدًا يوافي محامدَ خلقك، إذ فضَّلتني على كثير من خلقِك تفضيلًا، قال: فقلت: والله لأسألنَّه، أعُلِّمه أم ألهمَه؟ فدنوتُ منه فسلَّمت عليه، فردَّ، فقلت: على أيِّ شيء تحمده؟ والله ما أعلمُ من البلاءِ نوعًا إلَّا وهو بك.

وفي رواية: على أيِّ نعمةٍ من نعمه تحمده، أم على أيِّ فضيلةٍ تشكره؟


(١) تاريخ بغداد ٧/ ٢٨٩ (ترجمة إسماعيل بن عبد الله بن مهرجان).
(٢) وأخرجها الخطيب في تاريخه ١٥/ ٤٦٣ - ٤٦٤.
(٣) في (ج): بظل. والمثبت من تاريخ دمشق ٦٠/ ٢٢٣ (طبعة مجمع اللغة).