للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وانظر أهل خراسان، فأحسن إليهم، فإنَّهم أنصارُك وشيعتُك الذين بذلُوا أموالهم وأرواحَهم في دولتك، وأن تتجاوزَ عن مسيئهم، وتحسنَ إلى محسنهم، وتخلُفَ من مات منهم في أهله وولده، وما أظنك تفعل.

وإياك أن تبني مدينةَ الشرقيَّة فإنَّك لا تتمُّ بناءَها، وما أظنك تفعل.

وإياك أن تستعين برجلٍ من بني سُليم، وأظنك ستفعل.

وإياك أن تدخل النساء في أمرك ومشورتك، وأظنُّك ستفعل (١).

وهذه رواية الهيثم بن عدي، وأمَّا غيرُ الهيثم فقال: إنَّ أبا جعفر لَمَّا ودع ولدَه المهدي قال له: يا أبا عبد الله، إنِّي سائرٌ، وإنِّي غيرُ راجع، فأسألُ الله بركةَ ما أقدم عليه، هذا كتابُ وصيتي مختوم، فإذا بلغَك موتي فافتحه واقرأه، وعليَّ ثلاثُ مئة ألف درهم دين، ولست أستحلُّها (٢) من بيت المال، فاضمنهَا عنِّي، وما يفضي إليكَ من الأمر أعظمُ منها.

وذكر أبو يعقوب بن سليمان قال: حدَّثتني عطَّارةُ أبي جعفر قالت: لَمَّا عزمَ أبو جعفر على الحجِّ دعا ريطة بنت أخيه أبي العباس امرأة المهدي، وكان المهديُّ بالرَّيّ قبل شخوص أبي جعفر، فأوصاها بما أراد، وسلم إليها مفاتح الخزائن، ولا يطَّلع عليها أحدٌ إلَّا المهدي ولا هي، حتَّى يصحَّ عندهم موتُه.

ومضى إلى الحجِّ، وقدم المهديُّ من الرِّيّ، فأخبرته الخبرَ، فلمَّا ماتَ أبو جعفر، وولي المهديُّ الخلافة فتحَ ذلك الباب ومعه ريطة، وإذا أزجٌ (٣) عظيمٌ فيه جماعةٌ من آل أبي طالب قد قُتِلوا وفي آذانهم رقاعٌ فيها أسماؤهم وأنسابهم، وإذا فيهم أطفالٌ وشبابٌ ومشايخ، فلمَّا رأى المهديُّ ذلك ارتاع واسترجع، ثمَّ حفرَ لهم حفيرة ودفنهم فيها، وبنى عليهم دكانًا (٤).

* * *


(١) تاريخ الطبري ٨/ ١٠٢ - ١٠٤.
(٢) في (ج): أتحملها. والمثبت من تاريخ الطبري ٨/ ١٠٤.
(٣) الأزج: ضرب من الأبنية. القاموس (أزج).
(٤) تاريخ الطبري ٨/ ١٠٤ - ١٠٥.