للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الطعام، ويقولون: هذه الجوارشنات ضررُها أكثر من نفعها، وإنَّها تُحدِثُ من الأمراض ما لا يفيدُ معها دواء، وإنَّ علتها شديدة. وكان عنده طبيبٌ من الهند قد قدم عليه، فأمره أن يتخذ له سفوفًا لهضم الطعام، فيه الأفاويه والأدوية الحارَّة، فكان الهنديُّ ينهاه ويوافق أطباءه ولا ينتهي.

فقال بعض أطبائه: لا يموتُ هذا إلَّا بالبَطَن، فقيل له: ومن أين ذاك؟ قال: لأنَّه يأخذ الطعام كلَّ يوم ويتناول الجوارشنات الحارَّة فيهضم الطعام، ويهضم معه شيئًا من شحم بطنه ومصارينه ومعدته، فتخلو وترن (١) وتضعف عن حملِ ما حملَها، فيحدث له مرض البَطَن، ثم ضربَ لذلك مثلًا فقال: أرأيتَ لو أنَّك وضعتَ جرَّة على مرفع، والجرَّة جديدة وتحتها آجرة (٢)، فقطرت عليها دائمًا أليس تثقب الآجرَّة؟ قالوا: بلى، قال: فكذا هذا، فكان كما قال مات بالبَطَن.

والثاني: أنَّ أبا جعفر كان كثيرَ الركوبِ في الهواجر، وكان محرورًا مع علو سنِّه، فغلبَ (٣) عليه المرار الأحمر، فانخرق مزاجه، واتَّفق حجُّه في تلك السنة، وكان الحرُّ شديدًا، فمرضَ بالحوف (٤)، وكان قد تيقَّن أنَّه يموتُ في تلك السَّفرة؛ لأنَّه رأَى أماراتِ ذلك.

حدثنا عبد الوهاب بن علي الصوفيّ بإسناده إلى أبي سهل الحاسب عن طيفور قال: كان سبب إحرامِ أبي جعفر من الكوفة للحج أنَّه نامَ ليلةً بمدينة السلام، ثمَّ انتبه فزعًا، ثم عاود النوم، ثم انتبه فزعًا، فعل ذلك ثلاثًا، ثم قال: يا ربيع، قد رأيتُ في منامي عجبًا، كأنَّ آتيًا أتاني فهينم بشيءٍ لم أفهمه، ثمَّ كرره حتَّى حفظتُه، قال: وما هو؟ قال: [من الطويل]

كأنِّي بهذا القصر قد بادَ آهلُهْ … وعُرِّي منه أهلُه ومنازلُهْ

وصارَ رئيسُ القومِ من بعد بهجةٍ … إلى جدثٍ تُبنى عليه جنادلُهْ


(١) كذا.
(٢) في تاريخ الطبري ٨/ ٦٠: ووضع تحتها آجرة جديدة.
(٣) كذا في (ج). وفي تاريخ الطبري: يغلب. وهو الأشبه.
(٤) كذا.